عرض مشاركة واحدة
قديم 28-10-12, 03:19 pm   رقم المشاركة : 1508
عادل الحبيتر
عضو قدير
 
الصورة الرمزية عادل الحبيتر






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عادل الحبيتر غير متواجد حالياً



مما قرأت

(( دمـوع طفـل ))

قصة طفلا نشأ مع أسرته , ووجد نفسه بأنه وحيدا بين أبوين هادئي الطبع يدللانه ويرفقان به فأحبهما كثيراً .. وحملت ذاكرته الطفولية لهما دائما أجمل الذكريات .
وكانت أمه رقيقة كالخيال ، ابتسامتها حزينة وتحب الأغانى العاطفية وتدمع عيناها مع صوت عبد الحليم حافظ ، فيسألها حزيناً عما يبكيها فتمسح دمعتها بأصابعها .. وتقبله .. وتداعبه فينسى حزنه العابر ، وعلى عكس أمهات أصدقائه من أطفال العمارة والأقارب لم تكن تضربه ولا تخرج من بيتها كثيراً ، فإذا حان موعد الخروج ارتدت ملابسها ، ووقفت أمام المرآه تنظر إلى وجهها ساهمة فيبكى طالباً الخروج معها .. لكنها تلاطفة وتعتذر له بأنها ذاهبة مع أبيه إلى الطبيب وتعطية قطع الحلوى وتصطحبة إلى منزل جيرانها ليلعب مع طفلهما ، وهى تعده بألا تتأخر عنه كثيراً ولا تنصرف إلا بعد أن يرضى . ويبتسم ويعدها بألا يزعج جارتها خلال غيابها ، ثم تضع يدها فى ذراع أبيه ويخرجان ، ولا تطول عيبتها كثيراً فبعد ساعتين يعودان وفى ايديهما لفافة كبيرة من الدواء .. وقطعة شيكولاته له فيستعيدانه من منزل الجيران شاكرين ، ويرقبها وهى تتجرع الدواء فيرق قلبه لها ويسألها عما بها .. فتشغله بالحديث عما يسأل عنه ، أما وجهها الجميل فطالما أحبة وداعب شامته الصغيرة الجميلة فى ذقنها وحاول كثيراً أن ينزعها من مكانها بلا جدوى .
وبعد شهرين من التحاقة بمدرسة الحضانة للمرة الأولى ، عاد إلى بيته ذات يوم فوجد عمته فى البيت ولم يجد أمه وعرف أنها ستغيب أياماً فى المستشفى لمرض طارىء ، فتحرق شوقا لأن يزورها فيه لكن أباه رفض بإصرار ، وحاولت عمته الشابه أن تعوضه غياب أمه لكن هيهات أن يحلَّ شخص آخر فى موضع الأم الغائبة من قلبه . وطال غياب أمه ولاحظ عمته تتحدث مع أبيه حديثاً هامساً طويلاً وهما يختلسان النظر إلية ثم شاهد عمته تبكى ، فانقبض صدره وأحس بحزن غامض كئيب ، وبعد أيام ازدحمت الشقة فجأة بالعمات والخالات وخيم الحزن والبكاء على المكان .
وجاء خاله الشاب يدعوه للذهاب معه إلى بيت جدته ، فرحب بالعودة أملاً فى أن يجد أمه عندها ، فلم يجدها هناك . ووجد جو البيت هناك أكثر قتامه وحزنا ، وبعد أيام أعاده أبوه إلى البيت فأحس حين دخلة كأن الكآبه قد استقرت فيه ولن تغادر بعد لك ابداً .. وسأله عن أمه فأجابه الأب حزيناً بأنها قد سافرت وسوف يطول سفرها إلى وقت غير معلوم .. ورأى العطف فى عيون أبيه وخالاته ، فأدرك بقلب الطفل أن أمه ربما تكون قد سافرت إلى الرحلة التى لا يعود منها أحمد ، وحاول أن يتلهَّى عن كآبة البيت بألعابه والاستجابة لمداعبات الأهل والأصدقاء ، لكن شيئاً ما كان يشعرة دائما بأن أيام السعادة الجميلة قد ولَّت ولن تعود وبعد أسابيع من سفر أمه ، عادت عمته الشابه إلى بيتها وخلا البيت عليه مع أبيه ، وأصبح ينام فى حضن أبيه ويوقظه فى الصباح ويساعده فى ارتداء ملابسه ، ويصنع له إفطاره ثم يسلمه إلى أتوبيس المدرسة ، كما كانت تفعل أمه الجميلة فى أيام الصفاء ، ولغير سبب واضح فى ذهنه استسلم فجأه وهو يرتدى ملابسه فى الصباح بمعاونه أبية ، لنوبة طاغيه من البكاء فبكى طويلا وانهمرت دموعه بغزارة شديدة ، وسأله أبوه عما يبكيه : فلم يحر جواباً ولم يعرف هو نفسة لماذا يبكى ، وحين انتهى من بكائه ، ربت أبوه على رأسه بعطف وغسل له وجهه ثم ارتداءه ملابسه ، ولم يدعه أبوه يركب الأتوبيس فى ذلك اليوم وإنما اصطحبة فى سيارته إلى المدرسة واشترى له كمية من الحلوى فى الطريق ثم تركه فى فناء المدرسة ودخل إلى مبنى إدارتها وبعد قليل خرج وانصرف وهو يداعبه ويطالبه بأن يستمتع بالحلوى واللعب فى الفناء .
وبعد قليل من انصرافه ، جاءته " موظفة الحضانة " وأبلغته أن مديرة الحضانه تطلبه .. ومضى معها خائفاً .. ففوجىء بالمديرة التى لا يراها الأطفال فى الفناء إلا متهجمه ومحذرة من الخروج على النظام أو المشاغبة ، تستقبله بابتسامه عريضة ، ثم تقربه منها وتسأله عن اسمه وفصله بحنان ذكَّره بحنان الام الغائبه .. ثم تقول له إنها سمعت من المدرسات عن اجتهاده وحسن أخلاقه ، فرأت أن تطلبه لتراه وتشجعه على الاستمرار فى تفوقة وتهذيبه ، ثم فتحت درج مكتبها وأخرجت منه قطعة شيكولاته وأعطتها له أذنت له بالانصراف باسمة فخرج ذاهلاً وراضياً فى نفس الوقت
وتطررت نوبات البكاء الصباحية بعد ذلك كثيراً فهاجمته من حين لآخر دون مقدمات فستسلم لها لفترة طويلة حتى أصبح أبوة يخشاها ويترقبها بخوف ، وينقبض صدره حين تأتى وبعد كل نوبة ممائله يسأله بعطف :
ماذا يبكيب ؟ فيجيبه حائراً : لا أعرف
ويصدقة أبوه مكتئباً لأنه لا يعرف حقاً سبباً مباشراً للبكاء ، لكن الحزن الغامض المستقر فى القلب الصغير لافتقاده ملاكه الحارس .. يبحث دائماَ عن ثغره جديدة ليعبر عن نفسه ، فيطل منها بهذه النوبات الطويلة وتساءل الأب حائراً .. هل يعرض ابنه الصغير على طبيب نفسى فأجابه أخوته مؤكدين ( أن الزمن هو أكبر طبيب ) ، وكفَّ الصغير بالفعل عن السؤال عن موعد أمه من سفرها بعد شهور من غيابها ، واستقرت الحقيقة الكئيبة بشكل غامض فى وجدانه فبدأ يعتاد خلو حياته من صوت الأم الرقيق وابتسامتها الحزينة
وعاد أبوة بعد قليل إلى نظام حياته السابق ، فبدأ ساعات وحدته تطول فى المساء ، فقد بدأ أبوه يخرج من البيت بعد نوم الظهيرة ، فيغلق باب المطبخ بالمفتاح حتى يأمن عليه من خطر الغاز ويحذرة من الاقتراب من أكباس الكهرباء ويضع له على المائدة طعامه وشرابه ، ويوصيه بأن يلعب بألعابه فى هدوء حتى يرجع ، وهو يعده يخرج فلا يطول الوقت حتى يرن جرس التليفون ، ويجد أباه يسأله عما يفعل وهل واجه أية مشكله فيطمئنه ويعود لألعابة ويتكرر الاتصال أكثر من مرة ويتلقى الطفل الصغيرة أكثر من مكالمة من إحدى خالاته أو عماته
ومضى عام طويل اعتاد فيه وحدته وكثرة انتقاله بين بيوت جدته والخالات والعمات لقضاء بضعة أيام فى كل منها وحتى أمضى معظم ايام السنة ضيفا على بيوت الآخرين وافتقد الاحساس الي كان يحسه وهو فى غرفته يلعب وحيداً وأمه فى الجوار تتحرك وتقوم بأعمال البيت وتنادية من حين لآخر لتعطيه كبد الدجاجة أو قطعة حلوى أو زجاجة مياه غازية .
ودعته جدته لأبيه ذات مرة للإقامه فى بيتها يومين فلبَّى الدعوة سعيداً وجمع له أبوه معظم ملابسه فى حقيبة كبيرة وحملها معه وهو يصطحبة إلى بيت الجدة .. وأمضى يومين فى بيتها واستأذنها بعدها فى العودة لبيته وحجرته وألعابه ، لكنها استمهلته يومين آخرين لأنها لم تشبع بعد من صحبته فاستجاب لرجائها راضياً
وانتظر أن يحضر أبوه لاستعادته بعد اليومين الإضافيين فلم يحضر وتساءل عن أبيه خشية أن يكون قد سافر هو أيضاً وتركه وحيداً فى بيت جدته ، لكن الجدة طمأنته إلى أنه مشغول بأشياء هامة وسيحضر لاستعادته بعد أسبوع آخر وانتظر فى قلق مجىء أبيه ، فطال انتظارة أسبوعين آخرين فقد خلالهما كل صبره ، ولم يكف عن السؤال لحظة عن أبيه ، وعاودته نوبة البكاء الصباحية فجأة بعد أن كانت قد نسيته منذ شهور ، فوقفت جدته أمامها حائرة ودامعة ، وانتظمت النوبة فى موعدها الصباحى ثلاثه أيام متوالية ، وفى اليوم الرابع جاءه أبوه ، فلطَّف الأب من غضبه وقبله وأعلنه أنه قد جاء ليصطحبه إلى البيت وسيقدم له هناك مفاجأة ستسعده !
ونهض الطفل بحماس ليعود إلى بيته ، فاتهمته جدته بالجحود وبأنه لا يحبها فوقف يردد نظرة بابتسامه حائرة بينها وبين أبية وقال لها إنه يحبها كثيراً ، لكنه رغم ذلك يريد أن يعود إلى أبيه وبيته وغرفته ! وجمعت الجدة ملابسة وحمل الأب الحقيبة وأمسك بيد الطفل وغادرا المسكن ، ولم يطق صبراً حين خرجا فسأله عن " المفاجأه " ، واستمهله الأب حتى يصلا إلى البيت ويراها بنفسه ، وكرر السؤال مراراً وتلقى نفس الإجابة فبدأت الآمال الغامضة تداعب خياله ، وتساءل فى نفسة .. (هل تكون المفاجأة التى غاب أبوه من أجلها كل هذه الفترة هى عودة امه من سفرها الطويل ) !
وانتهى اخيراً الطريق الذي تصور أنه لا نهاية له .. ووثب درجات السلم أمام أبيه متعجلاً الوصول للشقة .. فوجد الضوء ينبعث من تحت بابها فتأكدت " ظنونه " وطرق الباب بيده الصغيرتين منفعلاً ونادى: افتحى يا ماما أنا وليد!
وانزعج الأب من سمع النداء ، وجاء من خلفة واجماً وفتح باب المنزل فاندفع الطفل داخلاً .. فرأى سيدة غريبة تقف فى ردهة الشقة مترقبة .. وإلى جوارها طفلة صغيرة تتطلع إليه فى صمت ، فتوقف الطفل ذاهلاً ونظر إلى السيدة بعين مستفهمة .. ولاحظ فى دهشته وارتباكه أن الشقة قد طليت بلون جديد وأن هناك ستائر جديدة على النوافذ .. وأخرجه من صمته صوت السيدة الغريبة وهى تقول له فى رفق:
أهلا وليد .. لقد كنت مشتاقة كثيراً لرؤيتك .. وقد وجدتك أجمل مما توقعت !
ثم جذبته إليها وضمته وقبّلته فاستسلم لها وهو لا يدرى هل يسعد باهتمامها به .. أم يحزن لأنها لم تكن المفاجأه التى توقعها ؟
وأمسكت السيدة بيدة وأشارت إلى الطفلة الواقفة إلى جوارها وقالت له:
هذه رانيا .. أختك الجديدة !
فتطلع إلى أبيه كأنما يستنجد به لتفسير كل هذه الغرائب ، فلم يدعه الأب طويلاً لحيرته ، وقال له وهو يختار كلماته بعنايه :
وليد لن تشكو شيئاً بعد الآن .. فقد أصبحت لك " ماما " جديدة تحبك وستهتم بشئونك .. وأصبحت لك أخت جديدة ستلعب معك وتسليك وستنام معك فى الغرفة فى سرير جديد حتى لا تخاف أثناء الليل .. أليس هذا ما كنت تتمناه ؟
وهمّ الطفل بأن يقول له ما كان يتمناه حقاً لكن شيئاً غامضاً منعه من التصريح به فسكت .
وتبادل الأب مع السيدة بعض النظرات المعبرة .. فخملت الحقيبة التى جاء بها الأب ، وأمسكت بيد وليد وقالت له فى مرح :
تعال معي لترتب ملابسك وقادته إلى غرفته . فلاحظ حين دخلها أن التغير قد شملها أيضاً . فأضيف إليها سرير جديد ودولاب صغير ، وراجت السيدة تخرج ملابسه من الحقيبة وترتبها فى دولابة والطفلة الصغيرة تراقب صامته .. ووليد ينظر إلى أبيه فيشجعه بابتسامته ونظراته .
وانتهت المهمة فقالت السيده :
سأدعكما الآن تلعبان معا بعض الوقت حتى اعد لكما طعام العشاء ، ثم خرجت مع الأب ، ووجد وليد الطفلة مازالت واقفة قرب الباب تنظر إلية فى ترقب وخوف ، فعزف عنها دون كلمه ، وبحث عن ألعابة وأخرج منها علبة المكعبان الكبيرة وجلس على الأرض وراح يلعب بها ساهِماً.
وبعد دقائق رفع رأسه فوجد الطفلة مازالت فى موقفها ترقبة .. وخُيلِّ إلية أنها خائفة ، فعاد إلى ألعابة صامتا .. وبعد دقائق أخرى رفع رأسة إليها فوجدها فى مكانها تتطلع إليه فى صمت وأمل .. فأشار لها بيده أن تأتى فاقتربت منه على الفور ، كأنما كانت تنتظر هذه الإشارة ، فأشار لها مرة أخرى أن تجلس ، فجلست طائعه وأعطاها بعض المكعبات فتناولتها بترحيب وراحت تساعده فى بناء السور الذي يبنيه ، ووقع أحد المكعبات بعيداً عن مجلسة ، فأشار إليها فنهضت على الفور وأحضرته له ، فرقَّ قلبه لها بعض الشىء وسألها وهو منهمك فى تركيب قطع المكعبات :
من هذه السيدة التى كانت معك ؟
فأجابته : ماما

وعاد للعب للحظات ثم سألها مرة أخرى :
هل ستجلسان هنا فترة طويلة ؟
فاجابته : ماما تقول إننا سنجلس على طول !

فكاد يستسلم للغضب احتجاجاً على هذه النية ، لكنه عدل عنه وسألها :
ولماذا لا تجلسان فى بيتكما مع بابا ؟
فأجابته الطفلة ببراءة : بابا " سافر " من زمان .. وشقتنا مظلمه وخالية !

فتساءل متعجباً لهذه المصادفة :
أنت أيضاُ " بابا " مسافر ؟
وهزت الطفلة رأسها مؤكدة . فنظر إليها طويلاً .. وأحس للمرة الأولى منذ رآها بأنه يمكن أن يقضى معها بعض الأوقات السعيدة ، وأن يشتركا معا من حين لآخر فى اللعب وفى مقاومة الخوف من الظلام أثناء الليل ، ورآها صغيرة خائفة .. ولبية وتترقب إشاراته لتنفيذها بلا اعتراض .. فاستقر رأية على ألا يطردها من غرفته كما فكر فى ذلك منذ دقائق ، وقرر أن يسمح لها باللعب معه كما رأى ذلك مناسباً ولكن بغير أن تستولى على أية لعبة من ألعابه ، وانهمك فى بناء السور ، وهى تساعده كلما طلب منها ذلك وتستجيب فى استسلام غريب لأموامره فتساءل بينه وبين نفسه متحيراً :
( لماذا يسافر بعض الآباء والأمهات بعيداً ويتركون أطفالاً حائرين وخائفين .. مثل هذه الطفلة الصغيرة .. ومثلي ) ؟



وشائت الأقدار أن يرتبط ( الزوج الأرمل ) على ( زوجة أرملة ) , وكل واحدا منهم لديه ( طفل )
ودموع الأبن تقول : متى ستعود أمي من السفر ..
وموع البنت تقول : متى سيعود والدي من السفر ..
وهكـذا , سوف يطول السفر الى الأبد .. لأنهم أنتقلوا الى الرفيق الأعلى ..!




******************************




ماتت الفـرحه في لحظـة غيـابك ..!






رد مع اقتباس