عرض مشاركة واحدة
قديم 02-09-10, 02:07 am   رقم المشاركة : 39
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة الثانية والعشرون : رحمة الله وعذابه :

قال الله تعالى : {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ}
(50) سورة الحجر .
قرأت هاتين الآيتين الكريمتين فتأملتُ بينهما فرقاً عجيباً يدل على رحمة الله تعالى بخلقه , وأنَّ رحمتَه ومغفرتَه أعظم من سخطِه وعذابِه .
فالآية الأولى بُدئت بفعل الأمر الموجه للنبي صلى الله عليه وسلم بالإنباء عن خبرٍ عظيم يستحقُّ التنبه له وإيقاظ الفكر لما بعده , وأن هذا الإنباء موجّهٌ لعبادِ الله الخاضعين لسلطته وقهره بشكل عام , أو لعبادِه الخاضعين لدينه وطاعته , والتعبير بكلمة ( عبادي ) فيها نوعٌ من أنواع العطف على المخاطبين , لأنك ما دمتَ من عباده فهو جل جلاله ربُّك وسَيِّدُك , فلن يظلمك .
ينبئهم بماذا ؟
ينبئهم بأمرين :
الأمر الأول : ( أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
, وهذه الجملة تتحدثُ عن الله تعالى , وقد بُدِئَتْ بحرف التوحيد ( أنّ ) واسمها الضمير ( الياء ) العائد على الله تعالى , والمؤكد بضمير الفصل ( أنا ) لدلالة الحصر وقوة الخطاب , والغفور الرحيم خبران , وهما اسمان كريمان لله تعالى , وصيغتهما صيغة مبالغة تدلُّ على عظمة المغفرة والرحمة عند الله تعالى . وإن شئتَ جعلتهما صفة مشبهة يدلان على الثبات والدوام .
الأمر الثاني : (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ )
هذا هو الإنباء الثاني لعباد الله بأن عذابه هو العذاب الأليم الشديد , والتعبير النحوي مطابق للآية التي قبله , ولكن الفرق المعنوي بين الآيتين أن الأولى تتحدث عن الله تعالى , وعن صفتين من صفاته الذاتية جل جلاله , وقد اشتملت على أربعة أسماء كلها تعود على الله تعالى [ الياء في أني , والضمير المنفصل ( أنا ) , والاسم الكريم ( الغفور ) , والاسم الكريم ( الرحيم ) ] , وأما الآية الثانية فهي تتحدث عن عذاب الله وليس عن الله تعالى , وهنا الفرق الكبير , فالله جل وعلا بذاته العليّة يخبر قربه من عباده وأنه غفور رحيم بهم , وأما من استحق العقوبة فله العذاب الأليم .
ولعلنا نلحظ أن الآية الثانية ليس فيها ما يعود إلى الله تعالى غير ضمير واحد ( الياء في عذابي ) , وهذا من سعة رحمة الله تعالى ولطفه بعباده , فجاء التهديد والوعيد في الآية الثانية أقل من مرتبة الترغيب في الآية الأولى فلم يقل سبحانه : وأني أنا شديد العقاب لتوازي الآية الثانية , فتأمل معي ذلك يا عبد الله , وقارِنْ هذا أيضا بقوله سبحانه :
{ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }
(156) سورة الأعراف , فجعل ( العذابَ خاصاً , وواقعاً تحت المشيئة , وأما الرحمة فهي عامة لكل شيء .
ولعل إبراهيم عليه السلام فهم هذا المعنى , وأن باب الرجاء أوسع من باب الخوف , وأن الله تعالى أرحم بعباده , وأن مغفرته ورحمته أقرب إليهم من عذابه وسخطه , فقد قال بعد الآيتين السابقتين في الحِجر
{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ}
(56) سورة الحجر , فقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد سياق الآيتين الدالتين على علو الرحمة والمغفرة على العذاب , وقد بُدئ سياق قصة إبراهيم عليه السلام بقوله ( ونبئهم ) وكأن فيه إشارة للانتباه لهذا المعنى اللطيف الدقيق .
فسبحان من وسعت رحمته كل شيء , وسبحان من سبقت رحمتُه غضبه , وسبحان اللطيف بعباده .
اللهم ارحمنا واغفر لنا وكفر عنا سيئاتنا , وتوفنا مع الأبرار .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين .
22 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس