عرض مشاركة واحدة
قديم 07-09-10, 12:26 am   رقم المشاركة : 44
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة السابعة والعشرون : الانتصار للذات والعفو .

قال الله تعالى : {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (40) سورة الشورى {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} (41) سورة الشورى {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} (42) سورة الشورى {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }
(43) سورة الشورى .
تتحدث الآيات الكريمة عن الانتصار للنفس مِمَّنْ ظَلَمَها , وأنه يسوغ للإنسان أن يأخذ حقَّه ممن اعتدى عليه ؛ لأن الله تعالى لا يحب الظالمين , ولكن العفو أجمل وأعظم , والصبر أكْمَلُ وأعْزَم . والمعنى العام للآيات واضح لا إشكال فيه , وإنما سأتكلم عن فقرتين من هذه الآيات الكريمة :
الأولى : قوله :
( وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا )
:
فالسيئة الأولى هي الاعتداء , وهي سيئة قولاً وفعلاً , وأما السيئة الثانية فهي أخذ الحق ورد الظلم , فكيف تكون سيئة ؟
للمفسرين عدة أقوال :
1. أنها من باب المشاكلة اللفظية كما قال تعالى :
{ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ }
(79) سورة التوبة [ أضواء البيان للشنقيطي : 3 / 389 ] .
2. لتشابههما في الصورة , لأن السوء إنما يجازى بمثله ؛ لأنه إذا قال : أخزاك الله , ورد عليه بمثله , فقد تشابَهَت الصورتان . [ معاني القرآن للزجاج : 4 / 401 , تفسير البغوي : 4/78 ] .
3. سميت الثانية سيئة لأنها تسوء مَنْ تنزلُ به , وتُكَدِّرُ صفوَه [ الكشاف : 4 / 229 ] .
4. أنها سيئة في مقابل العفو المذكور بعدها , فهي إذا قُورِنَت بالعفو والصلح كانت سيئة , قاله أبو سليمان عفا الله عنه .
ومثل هذه الآية بهذه الأقوال قوله تعالى :
{ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } (194) سورة البقرة , وقوله تعالى : {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} (126) سورة النحل , وقوله تعالى : {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}
(60) سورة الحـج .

الثانية : قوله :
" {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } .
تتحدث هذه الآية عن الصبر على الظلم , والعفو عن الظالم , فهي لا تكتفي بالصبر , بل تزيد عليه الغفران والمسامحة , وأي إنسان يستطيع ذلك ؟
إنه لا يقدر ذلك إلا من أوتي عزماً وقوةً وحظاً عظيماً كما قال تعالى :
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (34) {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (35)
سورة فصلت .
فمدافعة الظلم بالتي هي أحسن , والصبر على الظالم , وغفران ذنبه ومسامحته خلق عظيم حث عليه كتاب الله تعالى , وأخبر أن ذلك مِنْ عزمِ الأمور , وقوة النفس وشدتها , كما قال صلى الله عليه وسلم : " ليس الشديد بالصُّرَعة , إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " متفق عليه .
وأي أجر للصابرين العافين عن الناس أعظم من تكفل الله تعالى بأجره وثوابه " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " ؟
وقد جعل الله تعالى هذه الخصلة من صفات عباد الله المتقين الذين يستحقون جنةً عرضها السماء والأرض :
{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (133) {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
(134) سورة آل عمران .
أعود لآية الشورى مرة أخرى , وأقارنها بآية أخرى في سياق متقارب غير متماثل , وذلك في سورة لقمان , حيث يقول لقمان لابنه :
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (
17) سورة لقمان , فقال هنا : " وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " , وفي الشورى قال : " إن ذلك لَمِنْ عزم الأمور " فزاد لام التوكيد على خبر إنَّ , ولم يذكرها في آية لقمان , فلماذا ؟
الجواب والله أعلم : من وجهين :
الوجه الأول
: أن آية الشورى تتحدث عن ظلمٍ واقع على الإنسان , واعتداءٍ عليه , وأن له الحق في الانتصار لنفسه , وأخذ حقه , ولكن من يصفح ويغفر – وما أشد ذلك على النفس في مثل هذه المواطن – فإن ذلك لمن عزم الأمور , فجاءت اللام لتوكيد الخبر , بناء على قوة الحدث وهو الصبر بعد الإساءة .
الوجه الثاني
: أن آية الشورى فيها المسامحة والغفران زيادة على الصبر , فجاءت اللام لتقوية الخبر , نظراً لقوة الاسم .
أما في آية لقمان فليس فيها إلا
" واصبر على ما أصابك "
وقد يصيبه الشيء اليسير الخفيف على النفس الذي تستطيع مواجهته بالصبر , ولم يذكر معه الغَفْر والصفح .

والله تعالى أعلم
27 / 9 / 1431 هـ







رد مع اقتباس