بقلم / أحمد المهوس
لا يزال شعبنا يخشى نقد الآخرين , سيما إن علت مكانتهم , وتلك معضلة المجتمعات , فأصحاب المكانة العالية لا يخطئون في نظر كثير من هاتيك المجتمعات , حيث يندّ عن ذلك فقر مدقع في تطور المجتمعات التي تغص بذلك الخوف من النقد , فتصبح كما المياه الراكدة موئلاً للباعوض وما تعج به القذارة الآسنة !
إن المجتمع الخانع لكبرائه قلما يتطور , ولن تفيده الحضارة الوافدة شيئًا ؛ ذلك لأن قاطنيه يكيّفونه حسب ما يملي عليه خوفهم , فترى ذوي الرأي يتجنبون النقد , فلا تلبث كثيرًا حتى تسمعهم يقولون ببلاهة : ليس كل حق يقال !
لو تأملنا حكاية القرآن عن فرعون وما خدّر به شعبه ؛ لوجدنا أن الخوف المسيطر على أولائي الشعب هو الخوف نفسه حين ننظر بعين ثاقبة إلى مجتمعنا اليوم , وليس لأحد من تلك المجتمعات أن ينطق بالحق , أو من أن ينقد بحق , فولي الأمر لا يخطئ , والأمير ظل الله في منطقته التي قد أمّر عليها , وويل لمن تسول له نفسه أن ينقد وينتقد .
على أن من العجب أن خوف الناقد يكمن في اتهام الرأي العام له بولعه بالفساد , وبشغفه في إثارة الفتنة , أو من أنه منحاز إلى فئة متحرفة أو متحيزة , وليت شعري لو فهم الشعب أن المجتمعات لا تتطور إلا بظاهرة التنازع والتدافع , وأن النقد مطلوب كيما نقف على الأخطاء فنصوبها ؟ !
لقد دأبت المباحث العامة على تقصي النقاد , وتتبع نتاجهم , وكم غيبت سجوننا محبي الخير لهذه البلاد , فكأن المسئولين – مهما علوا أو سفلوا – ليسوا من جنس الدم البشري , فهم من طين غير لازب , بل ربما ارتأى – غير واحد – من أن يجعلهم كما الملائكة التي تساوق ملائكة السماء .
إن من العيب أن يمتدح أحد بلادنا وهي لا تولي النقد شيئًا , ولا يرمش جفنه لما يراه من مصائب عويصة ملمة في كثير من مؤسساتنا الحكومية ودوائرها , ولست أدري كيف يأتي الإصلاح وكثير من الناس يثنون على أوضاعنا المعوجة بقبح ذمة , وبلادة طبع ؟ !
وكم من المعيب أن لا نجد في إعلامنا مصداقية في نقد ولي الأمر أو الأمير الفلاني , فإن التجيل والتمديح ومفرط الإطراء ناصية لهذا الإعلام , فبات المواطن ساكن المدينة يثني وهو قلما يجد قوت يومه , وترى البدوي يمتدحهم وهو عريان ويتقمّل خلف خيمته في صحرائه !
لقد بات الوزراء ومديرو الإدارات العموميون مستأسدين في مناصبهم , فتراهم يحاكون من علوهم في المناصب , فحسبهم أن يمتلكوا ثقة أولئك العليين , أما المواطن فلا ثقة له , فكأنهم وضعوا في مناصبهم ليعملوا لمن فوقهم وليس لمن دونهم !
إن مصيبتنا اليوم هي الخوف النقدي , والخوف من التغييب خلف الشمس , فأنّى لمجتمعنا التطور , أنّى ؟ !