لم تكن مذكرات مدير وكالة المخابرات الأمريكية السابق جورج تينيت مجرد خواطر، لكنها معلومات لرجل كان مسئولا عن صناعة الأحداث في سنوات دقيقة مرٌ بها العالم، وطبقا لثقافة التاجر التي نشأ فيها تينيت فإنه باع معظم المعلومات التي يملكها لدور النشر وصدرت في كتاب مؤخرا تحت عنوان (في قلب العاصفة.. سنوات في ال C.i.a) اصبح من أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة
تناول فيه كيفية خطف اليمين الأمريكي للقرار في الولايات المتحدة الأمريكية بعد تولي جورج بوش الابن للحكم، وكيف خطط هؤلاء لتدمير العراق قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ بل وكيف طوعوا تقارير المخابرات لايجاد المبررات الكاذبة لغزو العراق، بل الأهم من ذلك* حسب قوله وما جعله 
ا أن البيت الأبيض تجاهل تحذيرات المخابرات الأمريكية من غزو العراق وطبخوا التقارير التي قدمتها الوكالة وبعد ذلك استخدموها للإطاحة به مشيرا إلي أن الحرب علي العراق مثلت كارثة وطنية قائلا: لقد أدركت أنها نهاية حياتي المهنية عندما التقطت نسخة من ال'واشنطن بوست' وقرأت أنني متهم بأنني وراء قرار الحرب، فأحدهم كتب يقو:ل إن الرئيس اتخذ قرار الهجوم بعد أن قال له تينيت بضرورة الحرب علي العراق. وهي نفس الادعاءات الكاذبة التي روجها نائب الرئيس ديك تشيني أيضا.وأشار تينيت إلي أنه قدم تقارير إلي البيت الأبيض تفيد أنه لم يكن باستطاعة صدام حسين أن يمتلك أية أسلحة للدمار الشامل إلا بحلول 2007 وحتي 2009، كما لم نكن نصدق أن للقاعدة أية علاقة بصدام حسين أو بهذا العمل القذر قاصدا هجمات سبتمبر.
وكان تينيت الذي شغل منصبه في عام1997 حيث كان بيل كلينتون رئيسا لأمريكا وحتي عام 2004 حين استقال من منصبه وهاجم خلال كتابه الذي يقع في 254 صفحة مكتب نائب الرئيس مجرم الحرب ديك تشيني والمحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية.
وتكمن أهمية مذكرات جورج تينيت في أنه عاصر أهم حدثين في الولايات المتحدة حيث وقع زلزال 11 سبتمبر وما تبعه من تداعيات وكذلك العدوان الأمريكي علي أفغانستان والعراق.
وكان أهم ملاحظات جورج تينيت وأبلغها دلالة ما ذكره من ملاحظات في اليوم التالي لهجمات 11 سبتمبر حيث التقي في حينها بمنظر اليمين الأمريكي والمسئول السابق في وزارة الدفاع ريتشارد بيرل، بينما كان بيرل خارجا من البيت الأبيض، ويقول تينيت إن بيرل الذي لم يشغل منصبا رسميا في الإدارة الأمريكية علق قائلا : إن علي العراق أن يدفع ثمن ما حدث بالأمس، إنه يتحمل المسئولية.
فصدم تينيت بما سمع، فالتفت إلي الخلف قائلا: ما هذا الجحيم الذي يتحدث عنه هذا الرجل؟ كما تساءل عن سبب وجود بيرل في البيت الأبيض في أولي ساعات ذلك اليوم تحديدا!
يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه تينيت أن المعلومات في ذلك الوقت لم تكشف عن أي دليل علي تورط عراقي في هجمات 11 سبتمبر واتهم تينيت في مذكراته بشكل صريح عددا من مستشاري الرئيس الأمريكي جورج بوش وخاصة ريتشارد بيرل ونائب وزير الدفاع بول وولفويتز ونائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني بالتخطيط مسبقا للعدوان علي العراق، وبربط قرارالحرب بهجمات سبتمبر لتبريرها مشيرا إلي أن التحقيقات التي أجرتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لم تثبت حيازة نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، مبينا أن خطة اقصاء صدام حسين أعدت قبل 11 سبتمب، والجميع شاهد المسرحية التي عقدها وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في مجلس الأمن حول أدلة وهمية عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، والسيارات المتنقلة التي عرضها علي المجلس وأصبحت فيما بعد مثار سخرية العالم، مما دفع كولن باول إلي الاعتراف بكذب ادعاءاته في وقتها.
وفضح تينت العميل أحمد الجلبي الذي كان تتولي رعايته وزارة الدفاع الأمريكية حيث أكد تينيت أنه كان هناك توتر كبير بين المخابرات الأمريكية والبنتاجون بسبب عمالة الجلبي لوزارة الدفاع وكشف أن البنتاجون كان يدفع للجلبي 350 الف دولار شهريا لقاء معلومات استخبارية مغلوطة عن العراق وأن الجلبي كان في نفس الوقت يسرب معلومات حساسة إلي إيران، وقال إن المخابرات الأمريكية لم تثق يوما في الجلبي، وهو ما تأكد بعدها بهروب الجلبي إلي إيران بعد غزو العراق وطلب الحماية منها، وذكر تينيت أنه أصر علي وقف البنتاجون لدعمه المالي لهذا الرجل وأن بوش اقتنع في النهاية بذلك.
وسلط تينيت الضوء علي علاقة الإدارة الأمريكية ببعض الزعماء العرب في الشرق الأوسط ويوضح أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أعرب للإدارة الأمريكية عن استعدادها لارسال كتيبتين من القوات الخاصة الأردنية إلي خطوط المواجهة مع افغانستان.. وتساءل تينيت: كيف لنا ألا نحترم الملك الأردني وعائلته بعد مبادرة من هذا النوع.
ولدي حديثه عن المملكة العربية السعودية انتقد تينيت بطئها في التعاون مع الولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر إلا أن التعاون بين البلدين توطد إلي أقصي حد ووصف العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي التقاه عدة مرات بالشخصية المؤثرة بشكل لا يصدق، مشيرا إلي أن العالم اليوم أكثر أمانا بفضل الخطوات التي اتخذتها السعودية في مواجهة الإرهاب، موضحا أن هدف القاعدة هو الحصول علي سلاح نووي وعندها سوف يتغير التاريخ.
ويشير تينيت إلي أن كلينتون كاد يخضع للابتزاز الإسرائيلي اثناء مفاوضات واي ريفر للإفراج عن الجاسوس جوناثان بولارو وأنه هدد بالاستقالة في حال اطلاق سراح بولارد مشيرا إلي أن مسئولين كبارا في الإدارة أيدوا إطلاق سراح بولارد.
ويشير تينيت إلي أن 90 % من الرحلات التي أجراها خلال السنوات التي أدار فيها وكالة المخابرات الأمريكية كانت للشرق الأوسط أبرزها كانت للسعودية التي زارها تسع مرات من أصل 77 زيارة قام بها ل33 دولة: الأمر الذي اعتبره تينيت صداقة خاصة بالسعودية.ويشير تينيت إلي أن العقيد الليبي معمر القذافي أجٌل الإعلان عن صفقة مع الولايات المتحدة كي لا يقطع بث التليفزيون الليبي الذي كان ينقل مباراة لكرة القدم يلعب فيها الفريق الليبي مع بلد آخر.
العرض العادي
