الأصل بالمسلمين حسن الظنّ , سواء من أرخى لحيته ومن حلقها .
فما بال البعض يحاول زرع بذرة الشكّ في نفوس المسلمين بمن زادوا درجة من الفضل بإعفاء لحاهم ؟!
أليس الأولى بهم أن يقولوا : علينا أن نحسن الظنّ ونعدّ ذلك من دلائل خيريتهم , بدل أن يقول قولا سيّئا مفاده أن : كونوا على شكّ بالملتحين وحذر منهم , وأخضعوهو للاختبار فـ(( تحت السواهي دواهي )) !
المسألة واضحة لا لبس فيها
فالذي أطلق لحيته , قد تمسّك بواجب إطلاق اللحية
وله في هذا فضل على الحالق المخالف لهدي محمد صلّى الله عليه وسلّم
وكونه أطلق لحيته لا يستلزم أن يكون أكمل الناس دينا وخلقا
وهكذا الذي حلق لحيته قد خالف أمر نبيّه صلى الله عليه وسلّم
وهو آثم بهذا
ولكنّ هذا منه أيضا لا يستلزم أن يكون مفرّطا بباقي الواجبات مرتكبا لباقي المحرّمات
ولكنّ اللحية سمة تدلّ على الخير مهما أبى الكثيرون
فهي مرحلة متقدّمة من الاستقامة , ما أصعبها على ضعاف الإيمان المقدّمين حسن المظهر - بزعمهم - ونظرة الناس , على أمر الله سبحانه
حالق اللحية المستهين بأمر الله لا يدري كم يعاني الكثيرون من صراع عند عزيمتهم على إعفاء اللحية استجابة لأمر الله , يتنازعهم الحرج من نظرة الناس له على أنّه - مشوّش الطلعة - حسب الظن الأخرق الذي يزيّنه الشيطان ! والحرص على رضا الله - سبحانه -
إذا فإكرام اللحية درجة متقدّمة من الالتزام , أشقّ على الكثيرين من واجبات الإسلام الأخرى كالصلاة والصيام والزكاة , لما يتنازع نفس الإنسان فيها من اعتمال الأفكار
وعليه فإعفاء اللحية دليل واضح على أن الشخص المسلم مستقيم ذو أمانة , حتى يتبيّن خلافه
أمّا أن نقول : يجب ألا ننخدع بالمظهر , ( والقصد أن نكون على حذر من الثقة بأصحاب اللحى (( ذوي الدواهي )) فكلام باطل , يخالف الشرع .
فالشرع يوجب علينا الحكم على الناس مما يظهر لنا منهم , ونترك البواطن لله , إلا إن كان بين المتحدّثين من يعلم بالنيّات , ليقول لله : أنا أعلم الغيب وأستطيع معرفة ما خلف الظاهر , وأدري هل ترك الرجل لحيته لله أو تركها للشيطان !
أمّا لو قال قائل بأنّ القصد أنّ الملتحي عند التعامل معه , أو مراقبته نكتشف منه أفعالا تخالف الالتزام (( كتأخير الصلاة مثلا )) , فالرّد على هذا الزعم سهل , فكلّ ما لاحظته عليه أيها الحاذق من تأخير الصلاة ونحو ذلك إنما هو ( عمل ) والعمل من الظاهر وليس من الباطن , فحكمك عليه إذن من خلال ظاهره لا باطنه , فلننتبه لهذا بدل أن نطيع كلّ زاعم ومتفيقه
ومن هنا فأتحدّى أمثال الأخ الكريم (( بن دحم )) أن يطبّقوا قاعدته التي قعّدها لنا بقوله: ((العيب فينا نحن فقط .. الذين جعلنا من المظهر شهادة حسن سيرة وسلوك ... ))
أقول لن يستطيعوا إثبات قاعدتهم الذهبية هذه , بأن يذكروا حادثة واحدة حًكم من خلالها على الشخص من باطنه ونيّته , بدل ظاهره
وأمّا كلام الأخ هيكل عن زميله الملتحي المقصّر في الواجبات , والآخر في أمريكا غير الملتحي الآتي بالواجبات التارك للمنهيّات , فهذه مسألة تحصل حقّا ولكنّها من باب الخروج عن القاعدة , والأمر كما قيل (( لكلّ قاعدة شواذّ )) كأن يكون الملتحي من المسلمين تاركا للواجبات
ومن الأدلة الواضحة في المسألة , أنّنا جميعا نتعجّب أشدّ العجب وتظل ذكرى هذا الأمر في أذهاننا لو قابلنا ملتحيا لا يصلّي !
بينما يمرّ علينا الكثيرون من غير الملتحين لا يصلّون , ومع هذا لا يعتمل الأمر في أنفسنا أو نشعر معه بالعجب الذي يبقى في الذاكرة !
أتدرون لماذا ؟
لأنّ الذي استقرّ في نفوسنا جميعا من خلال ما يتكرّر أمام أعيننا على الدوام أنّ الملتحين أهل مبادرة للواجبات , وانتهاء عن المحرّمات , وأنّ غير الملتحين يكثر فيهم المعاصي
أمّا أن يترك الرجل لحيته لينال ثقة خادعا لهم بغرض تحصيل مصالح دنيويّة كالغش التجاريّ أو ترويج المخدّرات مثلا , فهذا يحصل , لكنّه شاذّ لا تقوم عليه قاعدة .
أمّا عن روايتك هذه يا أخ (( هيكل )) فكيف نثق بها , وأنت الذي زعمت أنّ علماء السعوديّة يشطّطون على الناس لدرجة أنّهم إذا رأو في مذهب أحمد بعض التيسير في مسألة تركوه وبحثوا عن مذهب أكثر مشقة ليرهقوا الناس , مستدلاّ بفتوى ابن عثيمين وغيره عن زكاة الحلي !!!!
ألم تقل بالنصّ : (( ...... ولكني ارى ان الحنابلة لا يأخذون برأي احمد بن حنبل اذا كان رأيه اقرب لليسر....مثال ذلك زكاة الحلي فاحمد بن حنبل لا يرى وجوب زكاة في الحلي المعد للبس
اما معظم الحنابلة ومنهم الشيخ ابن عثيمين فلا يأخذون بهذا الرأي ...... الخ ))
أليس الأولى بك أن تجعل هذا من مناقبهم بأنهم لا يلتزمون مذهب أحمد - رحمه الله - إذا رأوا الصواب مع غيره
فما دمت أسرعت بإخبارنا كاذبا عن أنّ علماءنا - وهم من علمهم طبّق الأرض وتبعهم عموم الناس شرقا وغربا - يتركون أحمد خلفهم إذا رأوه ييسّر على الناس , ليبحثوا عمّا يشطّ عليهم من المذاهب الأخرى ! ما دمت أقدمت على هذا فلن تتورّع عن أن تكذب على رجل ملتحٍ مجهول .
أقصد أنّك غير ثقة أيها الزميل , حسب ما ظهر لنا منك
وبمناسبة ذكر قولك هذا , فما رأيك بما ذهب إليه الشيخ سلمان العودة وأفتى به الناس في حجّ هذا العام أنّ رمي الجمار يجوز قبل الزوال !
أليس هذا منه تركا لرأي أحمد إلى رأي آخر قوي فيه تيسير على الناس , وحفظ لأرواحهم أن تزهق في زحام الرمي بعد الزوال؟
هذا الشيخ من أبناء صحراء نجد يا هيكل !
أبناء الصحراء الذين قلت عنهم في غير هذا الموضوع بكلّ صلافة , وكلّ وقاحة : (( ربع نجد ما يمكن يقتنعون الا برأيهم....لقد اخرجت الصحراء اناس تشبه نباتاتها...نبات الصحراء يتميز بانه شوكي ياويل الذي يقترب اليه )) انتهى
فكيف يرجى منك عدل , وهذه بضاعتك ؟! رجم بالشتائم , والخوض بما لم تحط بعلمه من أحكام الشريعة حتى صرت تقيّم كلام العلماء تقييما أحمقا , لتكون إضافاتك مجرّد هجر من القول , لا يسمن أو يغني من جوع
ولو شئت أن أزيد من أدلّة استقلال علمائنا وبحثهم عن الدليل الصحيح , لزدتك حتى تشبع .
يا حليلك يا هيكل ! وتزعم أنك من الرياض !
أمّا عن قولك : (( حذار من الاغترار باصحاب اللحى فليس كل من التحى نزيه وفي الغالب غير السعوديين الذين اراد بعضهم التكيف مع رغبة المجتمع فاطلق اللحية ولكن وراء السواهي دواهي... ))
فلا ينتهي عجبي !!!
فلو كان رغبة المجتمع ( خارج السعودية ) ترك اللحى لرأيت غالب الرجال هناك , قد أكرموا لحاهم ! فلا أدري كيف حكمت بأن المجتمع يريد إعفاء اللحى , وأنت تراه مجتمعا حليقا إلا من شاء الله !
وما أشدّ ما تضحك صفّارة الإنذار التي أطلقتها : (( حذار من الاغترار بأصحاب اللحى ... )) وكأنّ أصحاب اللحى أغوال تأكل من اقترب منها
هداك الله عن هذا
************
بودّي يا أحباب أن نفرّق بين أمرين :
الدين , والخلق .
والمراد بالدين هنا حسن المعتقد وإقامة الشخص شعائر العبادات المحضة
فكون الرجل قد أكرم لحيته لا يعني أنه أصبح أفضل الناس خلقا
فقد يكون أحمقا كما يكون غيره
وقد يكون سريع الغضب كما يكون غيره
وقد يكون سيّء المعاملة للناس , سليط اللسان
ولكنّ هذا كلّه لا يعني خبثه وأنّه يضمر من وراء لحيته شرّا مختلا للمسلمين
أفلا يجمل بنا أن نحفظ لمن أكرموا لحاهم تحقيقا لأمر الله - سبحانه وتعالى - حقّهم من التقدير , وقد التزموا أمر الله فيها في الوقت الذي خالفه فيه الكثيرون
*****************
أخي (( بدون اسم ))
هذا رأيي محضتك أياه
وما كان اعتراضي إلاّ على كلام الأخوين الكريمين (( بن دحم , وهيكل )) وفقني الله وإياهما والجميع للصواب , وختم لنا بالصالحات .
أمّاكلامك أنت وسائر الإخوة بعمومه فهو كلام طيّب - برأيي - يعالج المسألة بعقل ورويّة , وإنصاف فبارك الله فيكم , وجعل ما تكتبون نافعا في ميزانكم , يوم يكبّ كثير من الناس في النار حصائد ألسنتهم , كما أخبر نبينا صلوات ربّي وسلامه عليه