الحكمة في التفاوت بين العباد
في الجزء :الأول الصفحة :25 من كتاب مفتاح دار السعادة لمحمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي المتوفى سنة 751
قال رحمه الله تعالى : فإنه سبحانه اقتضت حكمته وحمده أن فاوت بين عباده أعظم تفاوت وأبينه ليشكره منهم من ظهرت عليه نعمته وفضله ويعرف أنه قد حُبِيَ بالإنعام وخُص دون غيره بالإكرام ولو تساووا جميعهم في النِّعمة والعافية لم يعرف صاحب النعمة قدرها ولم يبذل شكرها إذ لا يرى أحداً إلا في مثل حاله ومن أقوى أسباب الشكر وأعظمها استخراجاً له من العبد أن يرى غيره في ضد حاله الذي هو عليها من الكمال والفلاح. وفي الأثر المشهور أن الله سبحانه لما أرى أدم ذريته وتفاوت مراتبهم قال: يا رب هلا سويت بين عبادك؟ قال: إني أحب أنْ أُشْكَرَ فاقتضت محبته سبحانه لأن يشكر خلق الأسباب التي يكون شكر الشاكرين عندها أعظم وأكمل وهذا هو عين الحكمة الصادرة عن صفة الحمد. وأيضاً فإنه سبحانه لا شيء أحب إليه من العبد من تذلله بين يديه وخضوعه وافتقاره وانكساره وتضرعه إليه. ومعلوم أن هذا المطلوب من العبيد إنما يتم بأسبابه التي تتوقف عليها وحصول هذه الأسباب في دار النعيم المطلق والعافية الكاملة يمتنع إذ هو مستلزم للجمع بين الضدين. وأيضاً فإنه سبحانه له الخلق والأمر ، والأمر هو شرعه وأمره ودينه الذي بعث رسله وأنزل به كتبه وليست الجنة دار تكليف تجري عليهم فيها أحكام التكليف ولوازمها وإنما هي دار نعيم ولذة .
اللهم اجعلنا من الشاكرين لنعمائك ، المعترفين بفضلك ، المقرين بالتقصير تجاهك ، اللهم أسبغ علينا نعمك الغزار وفضلك المدرار يا رحيم يا رحمن .