أخي الكريم أبا فيصل , السلام عليكم . . .
إنني من المتابعين لما تكتب , فقد وقفت على مشاركات حسنة , مليئة بالأدب الجم , ومشربة بروح رحبة متـزنة . . .
موضوعك لعله تناول موضوعات ثلاثة :
1- الأسلوب الأدبي .
2- الأسلوب الشرعي .
3- التحذير من الروايات المنحلة .
كما تعلم أن الأسلوب الأدبي له ما له من البيان , وله ما له من الوقْع على النفس المتلقية وهي القارئة , أما صاحبه فإنه من النادر أن يعالج قلمه من تلك الكلمات التي قد تحتاج إلى معجم ؛ ذلك أنه قد اعتاد على مثل هذه المفردات , فيغيب عنه أنه متقعر أو أنه قد يُتهم بالتقعر المقصود لذاته , فمن العسير أن نحكم على كل قلم تشيع المفردة الأدبية في أسلوبه من أنه يتقصد الإلغاز , وإنما مهارة مكتسبة قلما ينجو منها , وعني أحدثك , فإني ما استطبت تقعرًا قط , وإنما لا أبرح أعالجها فلا أحكم وثاقها إلا ثكنة ثكنة .
كما أني لا أخالك لا تحس بفرق بين الأسلوب الأدبي والآخر الشرعي , فما غاية الثاني من الأول إلا كما غاية طالب الثرى من الثريا ؛ إذ إن الأول يغرف من ماعون الشعراء , والكتاب الفصحاء المجودين , وأما الثاني فغايته الإفهام قدر الاستطاعة بحكم تعلم الشرع , وكأني بالأول يرنو إلى التعلم بلا جماليات أسلوبية , بل على النقيض من ذلك الآخر , فكل حرفته وصنعته .
المتشدقون بقراءة الروايات المنحلة لا يمثلون إلا أنفسهم , فكم من قارئ لها محذر منها وهم كثر ولله الحمد , فما يعني نزار قبوني ( قباني ) تركي الأصل سوري الجنسية إلا واحدًا من زمرة المنحرفين عفا الله عنهم , على ألا تغفل أهمية الأسلوب الأدبي في الفنون كالرواية وغيرها , فليس من الحق أن تطلب أن يكون كتاب البيان والتبيين للجاحظ مثل كتاب منهاج السنة لابن تيمية , فالثاني تحصره الفائدة للقارئ وحسب , والأول تحصره الفائدة ورونق العبارة المكتسبة من الشعر وكلام العرب الفصحاء المجودين .
قيل للشاعر أبي تمام : لِمَ لا تقل ما يفهم ؟
فقال : لِمَ لا تفهم ما يقال ؟
أي أن العيب في القارئ غالبًا , وليس من الحق أن نطالب الأديب بأن يكون مثل العالم الشرعي أو غيره , فهو يكتب في نهاية المطاف كلامًا عربيًّا , فمن الحق أن نرتفع إليه ؛ ذلك أن القراء ليس كلهم من العامة , فمن الحق أن يخرج الواحد من جملة العامة ليكون ملمًا بما يقال , فيكون متعلمًا منضويًا في جملة المثقفين .
ربما تكون في مسيس الحاجة إلى أن ترقى إلى ذلك الأديب الذي رأيت في أسلوبه تقعرًا , وما هو بتقعر , وإنما هو ضعف فيك لو تأملت , أتدري أين يكون الدليل مني عليك ؟ إنه من خطئك النحوي في السطر الأول بعد السلام , دون أن أقف على ما تحته .
إنك تقول : جميل منك أن تكون كاتب متميز وذو أسلوب جميل ويقف عند حروفك الكل منبهر . . . وقبل ذلك العنوان , فالصواب : المتشدقون . . .
بينما الصواب :
جميل فيك أن تكون كاتبًا متميزًا وذا أسلوب جميل , ويقف عند حروفك الكل منبهرًا . . . ( كل و بعض لا تدخل عليهما ال التعريف في الفصيح , وقد عيب على ابن المقفع ذلك , عابه الأصمعي ) .
لعل قلة القراءة أوقعتك في الضعف النحوي الذي ربما يُعرف بالسليقة لا بتعلم القواعد , والسليقة لا تتأتى إلا من خلال الإكثار من القراءة لكتاب مجودين , على أن أغلب المظان عندي من أن تلك الأغاليط النحوية زلة قلم . . .
.
آمل أن أكون خفيف الظل معك أخي الكريم . . . تحياتي .