![]() |
مقامة " الشُّهُب المرمية على شياطين الجامية "
حدَّثنا أبو الفَضْلِ الهِلاَلي قال :
في ليلةٍ من لَيالي الصَّيفِ النَّجْديَّة ، حيثُ رائحةُ الشِّيحِ والخُزَامى النَّدِيَّة ، ضمَّني ببعضِ الأصحابِ مجلسُ سَمَر ، نتجاذبُ فيهِ أطرافَ الحديثِ تحتَ ضوءِ القَمَر . فكنَّا ننتقلُ من فَنَنٍ جميلٍ إلى فَنَنْ ، حتى رَمَى بنا الحديثُ أمامَ بابِ الفِتَن ، فَخُضنا فيها خوضَ الهاربِ في رَسَغِ الوُحُول ، وأفضْنا في سرْدِ ما جاءَ في الشرعِ وما قرَّره الفُحُول .ثم استعذنا باللهِ من شرِّ كلِّ دُجُنَّة , وسألناهُ الحياةَ والموتَ على الإسلامِ والسُّنَّة . فمِن قائلٍ : لا فتنةَ فوقَ فتنةِ أطباقِ الفَضَاء ، فلقد صَبَّتْ علينا الرَّزايا وألوانَ البلاء !! ومِن قائلٍ : بل فتنةُ الانترنت أكبر ، ألا ترونها عَمِلَتْ في العقولِ عَمَلَ الشَّاي المقطَّر !! ومِن قائلٍ : بل هبوبُ رياحِ التغريبِ من كلِّ مكان ، وركوبُ الموجةِ خوفاً مِن عَصَا الأمريكان !!! قال الراوي : فرمَقتُ أحمدَ وهو مَن هو في عُمْقِ المعرفة , وتعجَّبتُ منهُ حينَ لاذَ بالصَّمتِ ولم ينبسْ ببنتِ شَفَة ، وسألتُه عن رأيهِ فيما قالُوه ، فسرَّحَ طرفَهُ قليلاً ثم قال ـ لله أبوه ـ : قد أصَابُوا فيما ذَكَرُوهُ مِن آراء ، ومَن يُغالِطْ نفسَه فهو حقيقٌ بالإزراء ، لكنَّهم سَكَتُوا عن فُلُولِ قُطَّاع الطَّريق ، مُشْعِلي نارِ البغضاءِ وزارعي بُذُورِ التَّفريق . فقلنا له : كأنك تقصِدُ الجاميَّةَ بهذا الإيماء ، فقد أزْكَمَتْ أنوفَنا رائحةُ النَّتَنِ في هذهِ الأثناء . لكن هل لهم الآنَ نشاطٌ يُذْكَر , وقد صاروا مثلَ الجُعْلانِ بل أحقر ؟!! فقال : ما قلتموهُ حقٌّ دونَ جَدال ، ولكنَّ لدغَ العقاربِ أسوأُ أحياناً مِن رَكْلِ البِغَال !! فمَن الذي لا يَعْرِفُ إطباقَ الأطباقِ على هَدْمِ البُيُوت ، ومتاهةَ قومٍ بينَ خُيُوطِ شَّبَكةِ العنكبوت ؟! ومَن يجهلُ أن أمريكا وإن لَبِسَتْ ثيابَ العلمانيِّة ، لم تخرجْ إلا من رَحِمِ أُمٍّ نصرانية ؟! فشتَّانَ ما بين عدوٍّ لا يَخْفَى على أحد ، وفايروسات تهتكُ في غفلَةٍ جميعَ أنسِجَةِ الجَسَدْ ! فقلنا جميعاً : صَدَقْتَ والله وبررْت ، وما جُزْتَ أسوارَ الحقيقةِ فيما قرَّرْت , فقدِ استبانَ الصُّبْحُ لكلِّ ذي عَينين ، فزدنا بيَاناً وإلا رجعنا منكَ بخفَّي حُنَين , فلمَّا همَّ بدُّخُول كَنيفِ تلك الحوادث ، قال : أعوذُ بالله من الخُبُثِ والخبائث ، واللهِ لولا خَوفي من غَرَقِ السَّفينَة ، ما نَجَّسْتُ فَمِي بذكرِ " المرجفين في المدينة " . فهم قومٌ زُرِعُوا في وقتٍ مَضَى لأَسباب , وفي الكناية أحياناً ما يُغْني عن الإسهاب ، فكانوا كالكلابِ لا تكفُّ عن الهَرِير، وإن ظلَّ صوتُ الحُداةِ لا يهدأُ والقافلةُ تسير . فشَهَروا سيفَ التبديعِ في وُجُوهِ الدُّعاة ، وبدأوا بالصُّراخِ فالتفَّ حولهم بعضُ الإمَّعات , وما فتئوا يصدِرونَ صُكُوكَ التضليل ، متكئينَ في ذلكَ على رَدِئ الأقاويل , وهيهاتَ أن يُورِدُوا على ما ادَّعوهُ دليلا , إنْ هم إلا كالأنعامِ بل هم أضلُّ سبيلا . يدورونَ فوقَ بِسَاطِ الهوى حيثُ دار ، فمنَ اليمينِ إلى اليسارِ إلى اليمينِ إلى اليسار . كم مرَّةٍ مَدَحُوا قوماً فتوَّجوهم بأكاليلِ الثَّنَاء ، فلمَّا خطَّؤوهم ألحقوهم بركبِ أهلِ الأهواء ! . يتمسَّكون بما هو أوهى مِن بيتِ العنكبوت ، فإن خُصِمُوا تَذَرَّعوا بالحَيْدَةِ أو لاذُوا بالسُّكُوت ، ومتى أحسُّوا أنهم على شَفَا شفيرٍ هاري ، مدُّوا أيديَهم إلى طَوقِ النَّجَاة " البربهاري " . ولكن ...كم من فاضلٍ قدَحَ زِنادَ فكرِه الموَّار ، وأرسلَ على شبهاتهم صواعقَ مِن نار . وفَقَأَ عيونَ جهلِهم بأظفارِ الدَّليل ، وفلَقَ بسيفِ الحقِّ هامةَ كلِّ تعليلٍ عليل . ثم إنهم طَفِقُوا يَلهجونَ بأبشعِ الأشياء ؛ نبشِ جُثَثِ الموتى وسَلْخِ جُلُوْدِ الأحيَاء !! فإن عَثَرُوا على زلَّةٍ عَجَنُوها بأيدي الزُّور ، ثم صبُّوا عليها شيئاً من وَحَرِ الصُّدور ، فإذا نَضِجَتْ طاروا بها في كلِّ ناد ، ونَسُوا بأنَّ اللهَ لهم بالمرصاد . أكبرُ ما فيهمُ الآذانُ والألسُن ؛ هذه للتلصُّصِ وتلكَ للخَوضِ فيما لا يحسُن . يتلصَّصُون على الآخرينَ تلصُّصَ الجنِّ لأخبارِ السَّماء ، فهو يجري منهم كما تجري في الشَّرايينِ الدِّماء ! فلو أطلعتَ على بعضِهم في خَلوة ؛ لرأيتَه يبحثُ في أهلِه عن هفوة . يجترُّ أحدُهم من النُّصوصِ ما لا يعيه ، فإن رأى مُعارِضاً أخفاهُ وقال : " يا أرضُ ابلعيه " . يقطعُ مَفَاوِزَ الوقتِ على ظُهُور الغِيبة ، ويَقِيْلُ تحتَ ظِلاَل الكَيدِ متوسِّداً أكاذيبَه . حتى ارتاعَ " القرينُ " من هولِ ما يَرَاه ، فكلما اطلَّع على ما يَحِيكُهُ استعاذَ بالله , بل أصبحَ يخافُ منهُ على نفسِه ، ويقيِّدُ أفكارَهُ لئلا يهرُبنَ من رأسِه !!! قال الراوي : فسألناهُ سؤالَ حائرٍ على عَتَبَاتِ اليقين : ما الحِكمةُ إذن من خَلْق هؤلاءِ الشَّياطين ؟ قال : قد تَعْجَرُ عن إدراكِ العِلَلِ العُقُول ، والتعليلُ بـ" ابتلاءِ العِبادِ " تعليلٌ مقبول . ولقد يُخْطِئُ الرَّميَّةَ مَن ظلَّ يريشُ سهمَه , لكنْ ...لا بدَّ للهِ في إيجادِهم مِن حِكْمَة ! فإذا مثَّلَ امرؤٌ للشُّرُور القَدَريَّة ، فلَهُ أن يقولَ : كالعَقَارِبِ والأمراضِ والجاميَّة . فسألناهُ وقد عَرِقَتْ منا الجِباه : وكيف يتعاملونَ معَ غيرِ الدُّعاة ؟ فقال : مِن غريبِ صُنْعِ هذه الزُّمرةِ الوَضِيعة ، أنهم معَ غيرِ الدُّعـاةِ كالحِمْلان الوَدِيعة , فيلتمسونَ للعلمانيينَ سبعينَ عُذرا , تمسُّكاً بما يُروى وهم بالآثارِ أدرى !! وأمَّا الأمريكانُ في الجزيرةِ فهم أهلُ ذمَّة ، لا يجوزُ إيذاؤهم ولو بالغِيبَةِ فيما نصَّ عليهِ الأئمَّة . وأما الشِّيعةُ فهم إخوانُ وَطَن , نحنُ وإيَّاهم رُوحانِ في بَدَن !! فقلنا : سبُحانَك اللهمَّ ذا السُّبحان ! وعجبنا من الهَوَى كيفَ يُضِلُّ الإنسان ثم سألناهُ : كيفَ هُمْ في العلمِ والتعبُّد ؟ فتنهَّدَ ثم قالَ بعدَ أن أطالَ التنهُّد : أما التعبُّدُ فهم أهلُ عبادةٍ حقَّا ، لكن بنهشِ اللُّحومِ وتشويهِ ما تبقَّى , الواحدُ منهم " مِقْراض أعراض " ، فمُهُ مُتَدَمٍِّ وقلبُهُ مجمعُ أمراض . أن يَلَغَ في عرضٍ خيرٌ له مِن أن يصلِّي أو يصوم ، أوَ ليسَ الفعلُ المتعدِّي أفضلَ مِن ذي اللُّزُوم . ومن سُخْريةِ الأيامِ فيهم وهي غيرُ قليل ، أنْ زَعَمُوا أنَّ اللهَ أَحْيَا ببني جَام عِلْمَ الجرحِ والتَّعديل ، فربيعٌ مشغولٌ بتمزيقِ اللُّحومِ وتقطيعِ الأوصال , وفالحٌ مُنْهَمِكٌ في تكسيرِ العِظامِ وأكلِ الطُّحَال ، فهم يتقرَّبونَ إلى اللهِ ولكن بالعِصْيان , ويَسْبَحُونَ ولكن في بُحيرة الشَّيطان !!! وأمَّا العِلمُ فهم يَهْرِفُون بما لا يَعْرِفُون , وعلى أوتارِ التَّشْهيرِ والتَّضْليلِ يَعْزِفُون ، لا يفرِّقون بين فُرُوعِ الدِّينِ وأُصُولِه ، ولا بينَ قطعيَّةِ النَّصِّ وظنيَّةِ مدلولِه . لا يتقنونَ من المصطلحِ إلا طُرُقَ القَدْحِ في كلِّ صالحٍ قويِّ الأثر , و الطَّعنِ في كلِّ حُجَّةٍ من الشيوخِ اشتهر, بدعوى الشُّذوذِ والغَرابةِ في الطَّرْح , مَعَ سماعِ حديثِ كلِّ معلَّقِ القلبِ بالجرح ، والوصيةِ برفع ِكلِّ ساقطٍ من الرِّجال ، معروفٍ بكتابةِ الأخبارِ ومتابعةِ الإرسال . ولا يعرفونَ من النحوِ إلا بابَ الاشتغالِ بكلِّ عائد , والتنازعِ في حالِ جموعِ المساجد ، وضمِّ الصِّلات على نسخِ المجهولِ في الضَّمير , وكفِّ كلِّ عاملٍ بالإغراءِ والتَّحذير ، ورفعِ الأخبارِ المُبْدَلَةِ إلى أولي الأمر ، لتضعيفِ المتعدِّي بالتَّعليقِ و الجرّ . |
أخي الفاضل العزي المبدع الرآئع / مجد .....
لله درك من فتى ...!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ولا فض فوك .................. لقد أثلجت صدور المؤمنين بهذه المقامة الساحرة ... المسكتة بحق .... أسمح لي أن أقبل فيك هذا الأبداع ............. ( فلمَّا همَّ بدُّخُول كَنيفِ تلك الحوادث ، قال : أعوذُ بالله من الخُبُثِ والخبائث ، واللهِ لولا خَوفي من غَرَقِ السَّفينَة ، ما نَجَّسْتُ فَمِي بذكرِ " المرجفين في المدينة " . ) ( فسألناهُ سؤالَ حائرٍ على عَتَبَاتِ اليقين : ما الحِكمةُ إذن من خَلْق هؤلاءِ الشَّياطين ؟ قال : قد تَعْجَرُ عن إدراكِ العِلَلِ العُقُول ، والتعليلُ بـ" ابتلاءِ العِبادِ " تعليلٌ مقبول . ولقد يُخْطِئُ الرَّميَّةَ مَن ظلَّ يريشُ سهمَه , لكنْ ...لا بدَّ للهِ في إيجادِهم مِن حِكْمَة ! فإذا مثَّلَ امرؤٌ للشُّرُور القَدَريَّة ، فلَهُ أن يقولَ : كالعَقَارِبِ والأمراضِ والجاميَّة . فسألناهُ وقد عَرِقَتْ منا الجِباه : وكيف يتعاملونَ معَ غيرِ الدُّعاة ؟ فقال : مِن غريبِ صُنْعِ هذه الزُّمرةِ الوَضِيعة ، أنهم معَ غيرِ الدُّعـاةِ كالحِمْلان الوَدِيعة , فيلتمسونَ للعلمانيينَ سبعينَ عُذرا , تمسُّكاً بما يُروى وهم بالآثارِ أدرى !! ) ـــــــــــــــــــ أرجوك أخي العزيز / مجد أن لا تبخل علينا بروآئعك , وأن نر ى جميلك القادم هنا . |
الساعة الآن 02:27 am. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
موقع بريدة