في المساء كانت تسرح شعرها وتطيب ماتثنى من جسدها ثم تقف على عتبة الحانة تتلصص بشبق لنزوة عابرة وشهوة ملقاة على قارعة الطريق .
وفي الصباح حيث تشرق الشمس ويخرج الفلاحون بفؤوسهم ذات الناب الطويل على أكتافهم تذهب مسرعة إلى مغتسلها ثم تجمع ماتبقى لها من خزينة بغاء ليلة البارحة وتنحدر مع الناس نحو دار الأيتام لتمسح على رؤوسهم وتنصحهم وتمد يدها لهم برزقها الوفير صدقة لله ! .

في أحد المساءات ، كانت قافلة من بيت جارتها رميدة ، ورميدة هذه تكون جارتها وصديقتها في الوقت نفسه ، وفي منعطف قريب من المسجد تساقط على أذنها صوت واعظ يتحدث عن مآل الزناة والزواني ، وقفت برهة ، ثم سحبها الشيطان ، فأسرعت وهي تصم أذنيها .
وفي الليل ، رأت رؤيا مخيفة ، كانت تطبيقا للحديث الذي ذكر فيه عقوبة البغاة في جهنم !
في الغد حدثت صديقتها رميدة بذلك فطمأنتها بأنها لا تقوم بهذا العمل عبثا ! وأنها إنما تقوم به لتسد جوعة هؤلاء الأيتام الصغار الذين يتضاغون هناك في الدار !

وفكرت في الموضوع مليا !

عندما كانت صغيرة ، صغيرة جدا ، كانت جدتها تمسح ناصيتها وتدعوا لها بالطهر ، أما هي فقد كانت تدس أنفها لتشم رائحة الحناء في الدراعة العنابية الفضفاضة .
وكانت جدتها تضيف : .. وإن طال بك العمر ياصغيرتي .. تذكري أن الشيطان له ألف وجه ووجه !