![]() |
تجارةُ الرقيق الجديدة
يعتقدُ الكثيرونَ أنّ الرّقَ ، والاستعبادَ ، انتهى بتحرير ِ الملكِ الراحل ِ : فيصل بن ِ عبدالعزيز ِ – رحمهُ اللهُ - ، لجميع ِ العبيدِ ، والمماليكِ ، في هذه البلادِ المباركة ِ ،
إلا أنّ هذا الظنّ ليس صحيحاً ، فتجارة ُ الرقيق ِ ، وصورُ الاستعبادِ ، انتشرت من فترة ٍ ، وازدهرت بشكل ٍ فظيع ٍ للغاية ِ ، وأصبحت مصدر دخل ٍ عظيم ٍ لكثير ٍ من أرباب ِ البطالة ِ ، والكسادِ ، بل والفساد ِ أيضاً ، الأرقاءُ الجددُ هم : الخدمُ والعمّالُ ، نعم أيّها الأحبة ُ ، أتحدّى شخصاً أن يكابرَ في ذلكَ ، أو أن ينكرَ أن الخدمَ ، والعمّالَ ، غدوا سائمة ً ، وسلعاً ، تباعُ ، وتشترى ويُتاجرُ فيها ، بل وتجري فيها جميعُ أحكام ِ الرق ِّ القديمة ِ !! ، خذوا مثلاً : · العاملُ أو الخادمُ يكونُ جميعُ وقته ِ مشغولاً بخدمة رب العمل ِ ، ويمنعُ حتى من السفر ِ ، أو النزهة ِ ، أو حتى الإجازة ِ المستحقة ! ، · يمنعُ العاملُ من التصرفِ في ماله ِ ، فهو ومالهُ ونفسهُ في خدمةِ رب العمل ِ ، شاءَ أم أبى !! ، · يُعاملُ العاملُ الفارُّ من مقرّ عملهِ ، مثلَ معاملة ِ العبد الآبق ِ ، فيُحرمُ من جميع ِ المناقب ِ والمزايا !! بل وتُطاردهُ اللعنة ُ مطاردة َ ظلّه ِ ، · تُعاملُ الخادماتُ على أنّهن جوار ٍ ، فالنهارُ خدمة ٌ ، والليل فراشٌ !! ، هذا غيظٌ من فيض ٍ أيّها السادة ُ ، بل ونشرّعُ القوانينَ لمنعهم من البيع ِ والشرّاءِ إلا بإذن ِ كفيلهم !! ، فلا يستطيعُ أحدهم من شرّاءِ سيارة ٍ ، أو سفر ٍ ، أو امتلاكٍ بيت ٍ ، أو استئجارهِ ، إلا بعد موافقة ً خطية ٍ من كفيله ِ !! ، والعجيبُ أنّ أحدنا يأمنُ على هؤلاءِ في عرضه ِ – حينَ يأتي به ِ سائقاً - ، أو يأمنهُ على عورة ِ زوجه ِ وأهله ِ – فيما لو زارَ طبيباً - ، ومع ذلكَ لا يخوّلُ لأحدهم أبسطُ حقوقه ِ الأخرى ، من البيع ِ والشرّاءِ والتملّك ِ ، ولا أدري أي الأمرين ِ أحق بالمحافظة ِ ، أمرُ العرض ِ ، أم أمرُ البيع ِ والشرّاءِ !! ، لا أدري من الذي أوحى إلينا ، أنّ هؤلاءِ المساكين ، ممّن حداهم الجوعُ ، والعوزُ ، لأن يتغرّبوا ويقتاتوا لهم ولعيالهم ، لا أدري من الذي أوحى إلينا أنّهم : أرقاءُ في أيدنا !! ، للأسف الشديد ِ نبخلُ على كثير منهم بأبسطِ حقوق ِ أخوة ِ الإسلام ِ ، من المباسطةِ ، والممازحة ِ ، والملاطفة ِ ، ونعاملهم على أنّهم آلاتٌ سخرّوا لنا فقط !! ، حدّثني قريبٌ لي ، عن مدير ِ أحد مكاتب ِ العمّال في أحد المدن ِ ، أنّ نسبة ً كبيرة ً جداً من العمّال ِ لا يأخذونَ مرتباتهم ، والتي تبلغُ أحياناً : اربعة سنوات ٍ متصلة ٍ !! ، والأدهى والأمرُّ : أن أحدنا لو تأخرّه مرتبهُ ، أو مخصّصهُ أقامَ الدنيا ولم يقعدها !! ، بينما هو يلغُ في مال ِ أجيرهِ ، ويتخوّضُ فيهِ ، ولا يراعي لهُ حرمة ً ، ولا يقيمُ له ذماماً !! ، كثيرٌ من النّاس ِ لا يتورّعُ لحظة ً واحدة ً في ضربِ أجيره ِ ، أو الإقذاع ِ معه بالعبارة ِ ، أو الأفحاش ِ لهُ بالقول ِ ، ويضيعُ دينهُ تماماً ، إذا واجهَ أولئكَ المساكين !! ، ورجلُ الأمن ِ يتعاملُ معهم كما لو كانوا قطيعاً من البهائم ِ ، فبمجردِ علمه ِ بكونه ِ عاملاً أو مستأجراً من خارج ِ هذه البلاد ِ ، يبدأ هذا الشرطيّ في فرد ِ عضلاته ِ عليه ِ ، ويخرجُ ما استطاع من عنترياتٍ حُرمها مع غيره !! ، فكم سمعنا من مخالفة ِ قطع ِ إشارة ٍ ، على شخص ٍ لم يقد سيارة ً طولَ حياته ِ !! ، أو على خادمة ٍ لا تعرفُ أكثر من باب ِ بيت ِ كافلها !! ، يا سادة ُ : والله ِ ما تغرّب هؤلاءِ ، ولا تركوا الولدَ والأهلَ لأجل ِ سواد ِ عيوننا ، إنّما تركوهم لأجل ِ التقوّت ِ لهم ، وطلب المعيشة ِ ، فلمَ نبدلُ ذلكَ لهم بالجحود ِ ، والنكران ِ ؟! ، والله ِ إنّ من شكاوى العمّال ِ ما لو سمعتوهُ لبكيتم رحمة ً لهم ، ولرثيتم لحالهم ، حيثُ تجدُ أحدهم يعولُ أسرة ً كبيرة ً ، من زوجة ٍ وأطفال ٍ ، وأم ٍ وأب ٍ ، وإخوة ٍ وأخوات ٍ ، ويكونُ راتبهُ مثلاً : 600 ريال ، ومع شدة ِ حاجته ِ ، لا يأخذُ هذا الراتبَ ، والذي يعادلُ عندنا قيمة َ زبيرية !! ، أو قيمة َ عشاءٍ في أحد المطاعم !! ، كم نرى دائماً رجالاً كباراً في السنّ ، في عمر ِ آبائنا ، وهم يجوبون الشوارعَ عملاً ، ثمّ يأتي بزرٌ جاهلٌ فيتطاولُ عليهِ بأنواع ِ الكلام ِ البذيءِ ، في صورة ٍ من صور ِ التخلّف ِ الرهيبة !! ، لقد كنّا إلى عهدٍ قريبٍ نجوبُ بلاد ِ الله الواسعة ِ بحثاً عن الرزق ِ ، ونتركُ الأهلَ والأقاربَ ، ثمّ لمّا فتحَ اللهُ علينا ، قابلنا ذلكَ بالجحود ِ والنكران ِ ، وصرنا نسومُ من يأتينا سوءَ العذابِ ؟! ، تكثرُ فينا الحوادثُ المروّعة ُ ، وينتشرُ الخوفُ ، وتقلّ البركة ُ في المال ِ والوقت ِ والجهد ِ ، ونحرمُ الرزق َ ، وتكثرُ مشاكلنا ، ونحرمُ من القطر ِ والمطر ِ ، ويزدادُ تسلّطُ الولاة ِ علينا ، والسببُ انتشارُ هذه المظالم ِ ، ودعواتُ هؤلاء المساكين ِ ، وكذلك دعوات ِ أسرهم وذويهم علينا !! ، ويكفيكَ والله خوفاً ووجلاً ، أن يقولَ أحدُ هؤلاءِ في وجهكَ : حسبي اللهُ ونعمَ الوكيل ِ منكَ !! ، أو يقولُ : الله لا يحللك ولا يبيحك مثل ما أكلت حقي ، وحق عيالي ، والله أنّها دعواتٌ لن تردّ ، حتى يصيحَ بها صوتُ السماء ِ ، ويحرّكَ لها جيشاً من جنودِ الأقدار ِ لنصرة ِ هذا الضعيف ِ المغلوب ِ على أمره ِ ، وتباً وسحقاً لمن يغالبُ جيشَ القدر ِ !! ، عن أبي هريرة َ رضي الله عنهُ ، عن النبي صلى اللهُ عليه ِ وآله ِ وسلّمَ قال : ( قالَ الله تعالى : ثلاثة ٌ أنا خصمهم يوم القيامة ِ : رجلٌ أعطى بي ثم غدرَ ، ورجلٌ باعَ حراً فأكلَ ثمنهُ ، ورجلٌ استأجرَ أجيراً فاستوفى منهُ ولم يُعطْهِ أجرهُ ) رواهُ البخاري ، هنئياً لهؤلاء ِ خصومة ُ ربّ الأرباب ِ لهم ، وليتمتّعوا بزائل ٍ من الدنيا ، وما كان ربكَ مضيعاً حق أحد ٍ أبداً ، دمتم بخير ٍ . (( منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــول ))) وتقبلوا تحياتي |
اقتباس:
... فعلاً أخي فقد أصبت كبد الحقيقة فيما أوردت ... ونتمى أن تجد هذه الرسالة آذاناً صاغية وقلوباً واعية لدى الكثير ممن لدية هؤلاء الخدم ... تحياتي لك أخي ( الرمادي ) |
شكرا لك أستاذي العزيز على هذا المرور الكريم
وتقبل تحياتي |
الساعة الآن 03:13 pm. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
موقع بريدة