شفافية الروح
يدرك البصر الأشياء حينما تراها العيون..
ويدرك السمع الأصوات حينما تسمعها الآذان..
ويدرك العقل الأفكار بالخيال والأفهام..
فماذا تدرك الروح؟وكيف تدرك؟
إن الروح ترى ما تراه العيون,وتسمع ما تسمعه الآذان,وتفهم ما تفهمه العقول..وهي أيضا تدرك فوق ما تدركه الأبصار والآذان والعقول.
ولكن الروح – إذ ذاك – لا تدرك إلا حينما تتمازج مع الأرواح امتزاج الروح بالجسد,فلا يحيا الجسد إلا بالروح,ولا تقوم الروح إلا بالجسد..
وامتزاج الروح بالروح آخر خفقة من خفقاتها عندما تهم بالهبوط..ذلك أن الأرواح جنود مجندة,فما تعارف منها ائتلف,فإذا ائتلفت التقت وامتزج بعضها ببعض.
فإذا التقت الأرواح أدركت – في لحظات صمتها الطويل – كل شيء..لأنها تشعر بغير جنان,وتتحدث بغير لسان..
وإذا افترقت الأرواح أدركت – وهي متباعدة – كل شيء..لأنها ترى بغير عيون,وتسمع بغير آذان,وتفهم دونمــــــا تفكير,إذ بلغت من الشفافية والصفاء والإخلاص ما تتكشف لها أسرار الأرواح..
واذا شاءت الأرواح الوصال في أي وقت ومن أي مكان فلها ذلك , لأنها تطير بغير أجنحه , ولها من سرعة التناغم الوجداني ما تتخطى به حدود المكان والحواجز المادية.
هنا تزفر بعض الأرواح زفرتها المحرقة متنهدة قائلة:
أهكذا شأن كل الأرواح؟
إن من الأرواح روحا جفت,فلا تكاد تحس أو تبصر أو تسمع..
ومن الأرواح روحا خفت فتوثبت للطيران..
ومن الأرواح روحا رفت,فأوشكت على الوصول..
ومن الأرواح روحا شفت,فاستغنت بشفافيتها عن كل شيء..
وإذا بها – وهي في مكانها – تسمع وترى وتفهم,وتغوص إلى الأعماق لتصطاد لآلى الأصداف.
يا ترى..أي الأرواح بلغت بها شفافيتها إلى كشف أسرار الأرواح؟