عرض مشاركة واحدة
قديم 23-04-07, 10:24 am   رقم المشاركة : 6
صاحي و رايق
موقوف من قبل الأدارة






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : صاحي و رايق غير متواجد حالياً

استندت على الباب بتعب وإحدى يديها ممتدة لضغط الجرس منذ فترة ليست بقصيرة...
الرياح تعصف وتنثر الغبار حولها و القشة تتمايل بعودها النحيل، ما لها والحضور هنا، مالها وعكس التيار!!!أخفضت يدها، باتت ترتعش كثيراً ولا تجدي أي نفع والجو عاصف لا تحتمله...وانتابتها قشعريرة فالتصقت أكثر بالباب....مال هذا الباب لا يُفتح!!! لطالما كان يفتح ويُغلق في وجوه الناس في اللحظة ذاتها!!!
ما بالهُ الآن أوقفَ حركته تماماً؟!!أتعود من حيث أتت؟! ومن أين أتت أصلاً؟!حيث يُجهز ضريحها بصمت، حيثُ يرفع نعشها بهدوء ويُطاف به بين الزوايا، لا تخافوا سأُضع قريباً في لحدي!! إنها مجرد أيام...بضعة أيام ليس إلا، ألم يقل هو ذلك!!!
الرياح تهدر بلا رحمة والباب لا يُفتح وهي تستكين على خشبه بخنوع....وسمعت حشرجة القفل فكادت تسقط.....أمسكت الجدار أرادت أن تلتحم به أو تختفي!!!
و تعلقت عيناها على الشبح الواقف أمامها....كان قصيراً و ممتلئاً...
لازال قصيراً ولكن أين ذهب الجسد؟!!أخذ يتأملها كما تتأمله لكنهُ كان أسرع منها...سرعان ما تجاوز الدرجات الرفيعة وغاب بهدوء مع الرياح، في نفس الاتجاه!!!!ولجت إلى الداخل وعيناها تسقطان سهواً على المكان، حيثُ عاشت سنين حياتها...خلعت نعليها ومشت حافية على الرمال كعادتها في باحتهم الكبيرة...وأحست بالراحة لأول مرة منذ أن وطئت هنا، راحة قديمة، بعيدة كالنجوم...وانساقت إلى شجرة اللوز الضخمة المزروعة بتحدي، ضاربة بمحاولات "حميد" في قلعها عرض الحائط....لا أخضر ولا يابس!!ماذا يريد إذن؟!!غريب أن تُثار الذكرى، كل الذكرى من مجرد النظر...أما نحتاجه هو ومضة، ومضة صغيرة فقط لينفتح الصندوق، صندوق الذاكرة؟!!أم أن الأشياء مخزونة هكذا في كل الحواس؟!!و تركت الجذع، لطالما تركته، وأخذت تبحث عنها...عن "هي"!!ولم تدخر جهداً في البحث عنها....كانت هناك، لطالما كانت هناك تطبخ وفي كل الأحوال!!!- السلام عليكم...وبدا لها أن والدتها لم تسمع صوتها الخافت فعادت لتلقي بالتحية من جديد لعلها تلتفت...و سقطت الملعقة الكبيرة، تهاوت كما تهاوت تلك المرأة الخمسينية على الأرض!!!!القلب الجزع يدمي، يتقطع هو الآخر وتلك المرأة تناديها، تفتح ذراعيها الرخوين لها.....منذُ صغرها وهي لا تُجيد لغةالإشارات، لم تفهم معنى أن تُحِب و تُحَب، إنها لا تعرف كيف أن تُعبر عن مشاعرها لأحد، هكذا هو قلبها مغلفٌ بجمود!!وانساقت لها رغماً عنها، رغماً عن جهلها بالإشارت، رغماً عن قلبها الجامد!!!!ارتمت في حضنها وهي تتشبث بها بقوة والأخيرة تمسح على رأسها وتحيطها بذراعه الآخر....
رفعت وجهاً أضناهُ السهر، قرحهُ البكاء:
- سامحيني، لم أكن أعلم أنكِ مريضة..
- أنا بخير منذُ أن رأيتك..
وسكتت كلتاهما، لم تعتد قط على الكلام معها بأريحية، أم أن البعد ألقى قيوده على الأم وابنتها!!!
أشارت إلى القدر الذي يغلي:
- ماذا تصنعين؟! رائحته لذيذة. وابتسمت ابتسامةً باهتة.
- "بحاري دجاج"، وجبتك المفضلة، لا بد أن تذوقيه أبقي حتى الغذاء.. قالتها بلهفة.
تلاشت الابتسامة على الشفتين، لم يتح لها أن تستقر أكثر، لا بد أن ترحل...
- لا أستطيع..
ثم أردفت لتبعد مخاوفها:
- كيف حالك وحال "مجيد"، لقد رأيتهُ للتو...
عاد الوجوم ليعتلي وجهها، ليستقر في أخاديده، ليسطر للناس قصة كانت يوماً ما أحد أبطالها...
- أخاكِ الصغير صار سكيراً، صيرهُ والده سكيراً مثله.."وماذا كنتِ ترتقبين من بذور تلك الثمرة؟!"
- كل يوم فضيحة، كل يوم تأتي الشرطة لتسأل عنه والجيران بدأو يشتكون...
ووضعت طرف خمارها على فمها وبكت بصمت...
البكاء بصمت، سمة مشتركة بيننا!!
و قدر الأم لا يختلف عن ابنتها أحياناً، أليس كذلك!!!أمسكت كفيها معاً وهي ترد بتهدج:
- اطلبي الطلاق منه ودعينا نعيشُ سوياً.رفعت الأم رأسها وفي وجهها طيف استسلام، يلوحُ دوماً على وجوههن، بل هو جزء منهن:
- ليس بعد هذا العمر يا ابنتي..
- ستتركيني مرةً أخرى. صاحت بلوعة.
- أنتِ معك زوجك، ماذا تريدين بي؟!ونكأت الجرح، لا زال ينزف صديداً، لازال يتقيح...
- زوجي!! أنا لا زوج لي، ليس لي أحد!!ودفنت نفسها في حجرها وهي تجهش بالبكاء..
وعاد دفاع الأمهات للصدارة، سألتها بوجل:
- ما هذا الكلام يا ابنتي؟! غدير، تكلمي..
- سيتزوج يا أمي، سيتزوج... رددت بخفوت.- كيف؟! لم يمر على زواجكما أسابيع!!!وصمتت تغالب عبراتها وهي تنظر لها بألم، بعذابٍ أزلي...
- غدير ماذا حدث بينكما؟!
- أنا لا أستطيع يا أمي، لا أقدر..- لا تستطيعين ماذا؟! أجيبي..استرسلت وكأتها تخاطب نفسها كالخيال:
- سأموتُ حينها، سأتدمر!! ليس من أجلي بل من أجله...- عم تتحدثين؟!عادت لتغوص في تلك العينين الحانيتين، ابتسمت بمرارة:- أنتِ لا تفهمين، لم تفهميني يوماً...
ونزعت نفسها منها انتزاعاً وهي تنظر لساعتها، وقفت بتعب، حدجتها بنظرة حزينة قبل أن تستدر:- انتبهي لنفسك..
وغادرت قبل أن تسمع صرختها المدوية...
أتُراها فهمت؟!!!
- وما ذنبي أنا؟!
- ذنبك أنه زوجك!!
- وهو أخوكِ أيضاً..أردفت بحنق:
- ماذا لو ذهبت إلى "السينما"، لم يرفض هذا المعقد..
- "ناصر" ليس معقداً..
- ومتخلف أيضاً!!
- سأخبره بما قلته عنه.
- اخبريه، انا لا أخاف منه ولا من أحد، العيش هنا أصبح لا يطاق، لا أكاد أهرب من السجان الذي في المكتب، حتى أُصدم بآخر هنا!!! لم تنغصون علي حياتي؟!!!- ما الأمر؟! من الذي ينغص عليكِ حياتك؟!!
والتفتت الفتاتان إلى الصوت القادم، ابتسمت "ندى" ابتسامةً كبيرة وهي تخاطب "شيماء" بتزلف:- أنا ليس لي أخ إلا "عمر" وهو أكبر منه وكلماته هي التي أنفذها بالحرف الواحد!!وهرعت إلى أخيها وهي تمسكه بدلع:
- كيف حالك يا أخي؟!
- ماذا تريدين؟!
- "عمور"!! نادته بعتب.
- نعم؟!
- أريد أن أذهب للسينما.
- لا.شهقت:
- لماذا؟!- ليس لدينا نساء يذهبن للسينما!!
وابتعدت عنه وهي تصيح بغضب:
- ولم تذهب أنت؟!
- أنا رجل!!
- كل ما تفعلونه أنتم حلال في حلال، ونحنُ أي شيء نريده حرام في حرام..
- اذهبي وشاهدي الأفلام في التلفاز، لم يمنعك أحد.
- أريد أن أشاهدها في السينما، لقد وعدتُ صديقتي "أشجان"..
- اعتذري منها.
- هذه المرة الثالثة التي اعتذر لها، ماذا أقول لها؟! قالت بإستعطاف.
- قولي لها الحقيقة، أخوتي غير موافقين.
- تريد أن تهتز صورتي في أوساط المجتمع الراقي، سيضحكون علي!!
- هذا الموضوع انتهى بالنسبة لي فلا تتعبي نفسك.- متخلف آخر!! كلكم متخلفون، معقدون!! تمتمت بحقد.
- ماذا قلتِ؟! سألها.
- أقول متى أتزوج وأرتاح من هذا السجن ومنكم!!
- ألا تخجلين من أحد!!
صاحت بإستنكار:
- حتى الخجل تريدونني أن أخجل رغماً عني!! كل شيء بالاستبداد، بالديكتاتورية!! أين منظمة "حقوق الإنسان" لتأخذكم؟!!
- لا حول ولا قوة إلا بالله...و سار عنها .....ندت من فم "شيماء" ضحكة، فنظرت إليها "ندى" بغيظ:
- صدقيني، حينها سأذهب إلى السينما كل يوم، صباحاً وظهراً ومساءاً.
- وأفرضي أن زوج المستقبل لم يقبل هو الآخر؟!
- أتمزحين!! هذا أول شرطي كي أوافق عليه...
وركبت الدرج وهي تفكر ماذا تقول لأشجان!!!.
.
.
.
.
.أترى النجوم بعرسك ما تراقصت جباهها....
وإنما غطت وجهها ناحبةً للمصابا.....أترى الشمس ما تشعشعت أنوارها...
وإنما رسمت دموعاً واضطرابا.....ما بال الشموع في عرسك لم تضئ..
ما بال دمك صار حنةً للترابا..







رد مع اقتباس