طبقات العلمانيين
والعلمانيون في العالم العربي والإسلامي كثيرون - لا أكثر الله من أمثالهم - منهم كثير من الكتاب والأدباء والصحفيين ، ومنهم كثير ممن يسمونهم بالمفكرين ، ومنهم أساتذة في الجامعات ، ومنهم جمهرة غفيرة منشرة في وسائل الإعلام المختلفة ، وتسيطر عليها ، ومنهم غير ذلك .
وكل هذه الطبقات تتعاون فيما بينها ، وتستغل أقصى ما لديها من إمكانات لنشر العلمانية بين الناس ، حتى غدت العلمانية متفشية في جل جوانب حياة المسلمين ، نسأل الله السلامة والعافية .
--------------------------------------------------------------------------------
نتائج العلمانية في العالم العربي والإسلامي
وقد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم .
وهاهي بعض الثمار الخبيثة للعلمانية :
1- رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى ، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة ، والاستعاضة عن الوحي الإلهي المُنزَّل على سيد البشر محمد بن عبدالله - - ، بالقوانين الوضعية التي اقتبسوها عن الكفار المحاربين لله ورسوله ، واعتبار الدعوة إلى العودة إلى الحكم بما أنزل الله وهجر القوانين الوضعية ، اعتبار ذلك تخلفًا ورجعية وردة عن التقدم والحضارة ، وسببًا في السخرية من أصحاب هذه الدعوة واحتقارهم ، وإبعادهم عن تولي الوظائف التي تستلزم الاحتكاك بالشعب والشباب ، حتى لا يؤثروا فيهم .
2- تحريف التاريخ الإسلامي وتزييفه ، وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية ، على أنها عصور همجية تسودها الفوضى ، والمطامع الشخصية .
3- إفساد التعليم وجعله خادمًا لنشر الفكر العلماني وذلك عن طريق :
أ- بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ ، والطلاب في مختلف مراحل التعليم .
ب - تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن .
جـ - منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم .
د - تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها ، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني ، أو على الأقل أنها لا تعارضه .
هـ - إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس ، ومنعهم من الاختلاط بالطلاب ، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش .
و - جعل مادة الدين مادة هامشية ، حيث يكون موضعها في آخر اليوم الدراسي ، وهي في الوقت نفسه لا تؤثر في تقديرات الطلاب .
4- إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة ، وهم المسلمون ، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد ، وصهر الجميع في إطار واحد ، وجعلهم جميعًا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر ، وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان .
فالمسلم والنصراني واليهودي والشيوعي والمجوسي والبرهمي كل هؤلاء وغيرهم ، في ظل هذا الفكر بمنزلة واحدة يتساوون أمام القانون ، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني .
وفي ظل هذا الفكر يكون زاج النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الشيوعي بالمسلمة أمرًا لا غبار عليه ، ولا حرج فيه ، كذلك لا حرج عندهم أن يكون اليهودي أو النصراني أو غير ذلك من النحل الكافرة حاكمًا على بلاد المسلمين .
وهم يحاولون ترويج ذلك في بلاد المسلمين تحت ما سموه بـ ( الوحدة الوطنية ) .
بل جعلوا ( الوحدة الوطنية ) هي الأصل والعصام ، وكل ما خالفوها من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - طرحوه ورفضوه ، وقالوا : ( هذا يعرض الوحدة الوطنية للخطر !! ) .
5- نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية ، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية ، وتشجيع ذلك والحض عليه : وذلك عن طريق :
أ - القوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها ، وتعتبر ممارسة الزنا والشذوذ من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة .
ب - وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة ، ونشر الرذيلة بالتلميح مرة ، وبالتصريح مرة أخرى ليلاً ونهارًا .
جـ - محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات .
6- محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق :
أ - تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي ، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية ، والشريعة الإسلامية .
ب - إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف ، ولتحريف معاني النصوص الشرعية ، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يُبصِّرون الناس بحقيقة الدين .
7- مطاردة الدعاة إلى الله ، ومحاربتهم ، وإلصاق التهم الباطلة بهم ، ونعتهم بالأوصاف الذميمة ، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكريًا ، ومتحجرة عقليًا ، وأنهم رجعيون ، يُحارون كل مخترعات العلم الحديث النافع ، وأنهم متطرفون متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور ، بل يتمسكون بالقشور ويَدعون الأصول .
8- التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية ، وذلك عن طريق النفي أو السجن أو القتل .
9- إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله ، ومهاجمتها واعتبارها نوعًا من أنواع الهمجية وقطع الطريق .
وذلك أن الجهاد في سبيل الله معناه القتال لتكون كلمة الله هي العليا ، وحتى لا يكون في الأرض سلطان له القوة والغلبة والحكم إلا سلطان الإسلام ، والقوم - أي العلمانيين - قد عزلوا الدين عن التدخل في شؤون الدنيا ، وجعلوا الدين - في أحسن أقوالهم - علاقة خاصة بين الإنسان وما يعبد ، بحيث لا يكون لهذه العبادة تأثير في أقواله وأفعاله وسلوكه خارج مكان العبادة .
فكيف يكون عندهم إذن جهاد في سبيل إعلاء كلمة الدين ؟!!
والقتال المشروع عند العلمانيين وأذنابهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض ، أما الدفاع عن الدين والعمل على نشره والقتال في سبيله ، فهذا عندهم عمل من أعمال العدوان والهمجية التي تأباها الإنسانية المتمدنة !!
10- الدعوة إلى القومية أو الوطنية ، وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس أو اللغة أو المكان أو المصالح ، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع ، بل الدين من منظار هذه الدعوة يُعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق ، حتى قال قائل منهم : ( والتجربة الإنسانية عبر القرون الدامية ، دلَّت على أن الدين - وهو سبيل الناس لتأمين ما بعد الحياة - ذهب بأمن الحياة ذاتها ) .
هذه هي بعض الثمار الخبيثة التي أنتجتها العلمانية في بلاد المسلمين ، وإلا فثمارها الخبيثة أكثر من ذلك بكثير .
والمسلم يستطيع أن يلمس أو يدرك كل هذه الثمار أو جُلها في غالب بلاد المسلمين ، وهو في الوقت ذاته يستطيع أن يُدرك إلى أي مدى تغلغلت العلمانية في بلدٍ ما اعتمادًا على ما يجده من هذه الثمار الخبيثة فيها .
والمسلم أينما تلفت يمينًا أو يسارًا في أي بلد من بلاد المسلمين يستطيع أن يدرك بسهولة ويسر ثمرة أو عدة ثمار من هذه الثمار الخبيثة ، بينما لا يستطيع أن يجد بالسهولة نفسها بلدًا خاليًا من جميع هذه الثمار الخبيثة .
--------------------------------------------------------------------------------
وسائل العلمانية في تحريف الدين في نفوس المسلمين وتزييفه
للعلمانية وسائل متعددة في تحريف الدين في نفوس المسلمين منها :
1- إغراء بعض ذوي النفوس الضعيفة والإيمان المزعزع بمغريات الدنيا من المال والمناصب ، أو النساء لكي يرددوا دعاوى العلمانية على مسامع الناس ، لكنه قبل ذلك يُقام لهؤلاء الأشخاص دعاية مكثفة في وسائل الإعلام التي يسيطر عليها العلمانيون لكي يظهروهم في ثوب العلماء والمفكرين وأصحاب الخبرات الواسعة ، حتى يكون كلامهم مقبولاً لدى قطاع كبير من الناس ، وبذلك يتمكنون من التلبيس على كثير من الناس .
2- القيام بتربية بعض الناس في محاضن العلمانية في البلاد الغربية ، وإعطائهم ألقابًا علمية مثل درجة ( الدكتوراه ) أو درجة ( الأستاذية ) ، ثم رجوعهم بعد ذلك ليكونوا أساتذة في الجامعات ، ليمارسوا تحريف الدين وتزييفه في نفوس الطبقة المثقفة على أوسع نطاق ، وإذا علمنا أن الطبقة المثقفة من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية ، هم في الغالبية الذين بيدهم أزِمَّة الأمور في بلادهم ، علمنا مدى الفساد الذي يحدث من جراء وجود هؤلاء العلمانيين في المعاهد العلمية والجامعات .
3- تجزئ الدين والإكثار من الكلام والحديث والكتابة عن بعض القضايا الفرعية ، وإشغال الناس بذلك ، والدخول في معارك وهمية حول هذه القضايا مع العلماء وطلاب العلم والدعاة لإشغالهم وصرفهم عن القيام بدورهم في التوجيه ، والتصدي لما هو أهم وأخطر من ذلك بكثير .
4- تصوير العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله - في كثير من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية - على أنهم طبقة منحرفة خلقيًا ، وأنهم طلاب دنيا من مال ومناصب ونساء حتى لا يستمع الناس إليهم ، ولا يثقوا في كلامهم ، وبذلك تخلو الساحة للعلمانيين في بث دعواهم .
5- الحديث بكثرة عن المسائل الخلافية ، واختلاف العلماء وتضخيم ذلك الأمر ، حتى يخيل للناس أن الدين كله اختلافات وأنه لا اتفاق على شيء حتى بين العلماء بالدين ، مما يوقع في النفس أن الدين لا شيء فيه يقيني مجزوم به ، وإلا لما وقع هذا الخلاف ، والعلمانيون كثيرًا ما يركزون على هذا الجانب ، ويضخمونه لإحداث ذلك الأثر في نفوس المسلمين ، مما يعني انصراف الناس عن الدين .
6- إنشاء المدارس والجامعات والمراكز الثقافية الأجنبية ، والتي تكون خاضعة - في حقيقة الأمر - لإشراف الدول العلمانية التي أنشأت هذه المؤسسات في ديار المسلمين ، حيث تعمل جاهدة على توهـين صلة المسلم بدينه إلى أقصى حدٍّ ممكن ، في نفس الوقت الذي تقوم فيه بنشر الفكر العلماني على أوسع نطاق ، وخاصة في الدراسات الاجتماعية ، والفلسفية ، والنفسية .
7- الاتكاء على بعض القواعد الشرعية والمنضبطة بقواعد وضوابط الشريعة ، الاتكاء عليها بقوة في غير محلها وبغير مراعاة هذه الضوابط ، ومن خلال هذا الاتكاء الضال والمنحرف يحاولون تروج كل قضايا الفكر العلماني أو جُلها .
فمـن ذلك مثلاً قاعدة ( المصالح المرسلة ) يفهمونها على غير حقيقتها ويطبقونها في غير موضعها ، ويجعلونها حجة في رفض كل ما لا يحبون من شرائع الإسلام ، وإثبات كل ما يرغبون من الأمور التي تقوي العلمانية وترسخ دعائمها في بلاد المسلمين .
وكذلك قاعدة ( ارتكاب أخف الضررين واحتمال أدنى المفسدتين ) وقاعدة ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، ( ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) ، ( وصلاحية الإسلام لكل زمان ) ، ( واختلاف الفتوى باختلاف الأحوال ) ، يتخذون من هذه القواعد وأشباهها تُكأة في تذويب الإسلام في النحل والملل الأخرى ، وتمييعه في نفوس المسلمين .
كما يتخذون هذه القواعد أيضًا منطلقًا لنقل كل النظم الاقتصادية ، والسياسية السائدة في عالم الكفار إلى بلاد المسلمين ، من غير أن يتفطن أكثر الناس إلى حقيقة هذه الأمور .
وفي تصوري أن هذا المسلك من أخطر المسالك وأشدها ضررًا لما فيه من شبهة وتلبيس على الناس أن هذه الأمور إنما هي مرتكزة على قواعد شرعية معترف بها ، وكشف هذا المسلك على وجه التفصيل ومناقشة كثير من هذه الأمور على وجه البسط والتوضيح في حاجة إلى كتابة مستقلة لكشف كل هذه الأمور وتوضيحها وإزالة ما فيها من لبس أو غموض .
ونحن نحب أن نؤكد هنا أن اعتمادهم على هذه القواعد أو غيرها ليس لإيمانهم بها ، وليس لإيمانهم بعموم وشمول وكمال الدين الذي انبثقت منه هذه القواعد ، وإنما هي عندهم أداة يتوصلون بها إلى تحقيق غاياتهم الضالة المنحرفة .