يابني الفقر سلاماً عاطراً *** من بني الدنيا عليكم وثناء
وسقى العارض من أكواخكم *** معهد الصدق ومهد الأتقياء
كنتم خير بني الدنيا ومن *** سعدوا فيها وماتوا سعداء
عشتم من فقركم في غبطة *** ومن القلة في عيش رخاء
لاخصام لامراء بينكم *** لاخداع لانفاق لارياء
خلق بر وقلب طاهر *** مثل كأس الخمر معنى وصفاء
ووفاء تثبت الحب به *** وثبات الحب في الناس الوفاء
أصبحت قصتكم معتبراً *** في البرايا وعزاء البؤساء
يجتلي الناظر فيها حكمة *** لم يسطرها يراع الحكماء
حكم لم تقرءوا في كتبها *** غير أن طالعتم صحف الفضاء
وكتاب الكون فيه صحف *** يقرأ الحكمة فيها العقلاء
إن عيش المرء في وحدته *** خير عيش كافل خير هناء
فالورى شر وهم دائم *** وشقاء ليس يحكيه شقاء
وفقير لغني حاسد *** وغني يستذل الفقراء
وقوي لضعيف ظالم *** وضعيف من قوي في عناء
في فضاء الأرض منأى عنهم *** ونجاء منهم أي نجاء
إن عيش المرء في ذلة *** وحياة الذل والموت سواء
ليت فرجيني أطاعت بولسا *** وأنالته مناه في البقاء
ورثت للأدمع اللاتي جرت *** من عيون مادرت كيفض البكاء
لم يكن من رأيها فرقته *** ساعة لكنه رأي القضاء
فارقته لم تكن عالمة ً *** أن يوم الملتقى يوم اللقاء
ما لفرجيني وباريس أما *** كان في القفر عن الدنيا غناء
إن هذا المال كأس مزجت *** قطرة الصهباء فيه بدماء
لا ينال المرء منه جرعة *** لم يكن في طيها داء عياء
عرضوا المجد عليها باهراً *** يدهش الألباب حسناً ورواء
وأروها زخرف الدنيا وما *** راق فيها من نعيم وثراء
فأبته وأبى الحب لها *** نقض ما أبرمه عهد الاخاء
ودعاها الشوق للقفر وما *** ضم من خير إليه وهناء
فغدت أهواؤها طائرة ً *** بجناح الشوق يزجيها الرجاء
يأمل الانسان ما يأمله *** وقضاء الله في الكون وراء
ما لهذا الجو أمسى قاتماً *** ينذر الناس بويل وبلاء
مالهذا البحر أضحى مائجاً *** كبناء شامخ فوق بناء
وكأن الفلك في أمواجه *** ريشة تحملها كف الهواء
ولفرجيني يد مبسوطة *** بدعاء حين لايجدي دعاء
لهفي والماء يطفو فوقه *** هيكل الحسن وتمثال الضياء
زهرة في الروض كانت غضة *** تملأ الدنيا جمالاً وبهاء
من يراها لايراها خلقت *** مثل خلق الناس من طين وماء
ظنت البحر سماء فهوت *** لتباري فيه املاك السماء
هكذا الدنيا وهذا منتهى *** كل حي مالحي من بقاء
القصيدة للمنفلوطي
دمتم بخير