ثانياً: الحجامة : والقولان فيها مشهوران وهما القول بالفطر والقول بعدم الفطر ، ومن نظر بعين فاحصة في جميع ما ورد سيجد أن القول بإفساد صيام الصائم بالحجامة قد نسخ والأقرب القول بعدم تفطير الصائم بالحجامة وذلك لعدة أدلة منها:
1- ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم (احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم) .
ورواه البخاري أيضاً بلفظ (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم ) .
والحديث فيه خلاف بين أئمة الحديث كأحمد والبخاري وغيرهم في وصله وإرساله ليس هذا محل ذكره.
والحديث دليل على أن الحجامة لا تفطر الصائم وهو مذهب جمهور العلماء.
2- ما رواه أبو داود في سننه بسند صحيح من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثني بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن النبي نهى عن الحجامة والوصال للصائم ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه ).
فهذا الحديث فيه دليل أيضاً على أن الحجامة غير محرمة للصائم .
3- ما في البخاري أيضاً من طريق شعبة عن ثابت البناني قال سُئل أنس بن مالك رضي الله عنه أكنتم تكرهون الحجامة للصائم قال:لا ؛إلا من أجل الضعف .
4- وكان ابن عمر يحتجم مراراً فلما رأى أنها تضعفه ترك هذا واحتجم ليلاً.
رواه عبد الرزاق وغيره وجاء بنحوه عند البخاري معلقاً وسنده صحيح .
5- وروى البخاري في صحيحه معلقاً عن بُكير عن أم علقمة قالت : ( كنا نحتجم عند عائشة فلا نُنهى ) .
6- وروى الإمام ابن خزيمة في صحيحه من طريق خالد الحذاء عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( رخص للصائم بالحجامه والقبلة) وهذا سند صحيح إلى أبي سعيد رضي الله عنه وله حكم المرفوع لأنه لا يرخص أحدٌ في الحجامة والقبلة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي رخص فيهما .
• أما حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) .
فقد روي من طُرق عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم ؛ وهم:
شداد بن أوس، ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رافع بن خديج ، أبو موسى الأشعري ، معقل بن سنان ، أسامة بن زيد ، بلال بن رباح ، علي بن أبي طالب ، أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ، أبو هريرة ، عبد الله بن عباس ، سمرة بن جندب، أنس بن مالك ، جابر بن ، عبد الله بن عمر ، سعد بن مالك ، أبو زيد الأنصاري ، عبد الله بن مسعود ، أبي الدرداء.
وقد تكلم بعض الأئمة في هذا الحديث وأعله بالاضطراب قال الإمام أبو عيسى رحمه الله في كتاب العلل: قال البخاري رحمه الله ليس في الباب أصح من حديث شداد وثوبان فذكرت له الاضطراب فقال كلاهما عندي صحيح رواه أبو قلابة عنهما جميعاً .
وقد صححه أيضاً علي بن المديني رحمه الله .
ويرى الإمام أحمد رحمه الله أن أصح الأحاديث في هذا حديث رافع بن خديج ويرى علي بن المديني رحمه الله أن أصح الطرق طريق ثوبان وشداد فقال رحمه الله (لا أعلم في أفطر الحاجم والمحجوم ) حديثاً أصح من هذا .
ولكن هذا الحديث منسوخ بالأدلة السابقة ، ويدل أن الحجامة كانت تفطر في أول الأمر ثم نسخ الأمر باحتجام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صائم كما في البخاري عن ابن عباس كما سبق ذكره .
وبحديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وببقية الأخبار السابقة ؛ والله أعلم .
• وأما حديث أنس بن مالك قال : ( أول ما كرهت الحجامة للصائم : أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (أفطر هذان) ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم .فهو خبر منكر.
وأيضاً يقال لو كان مثل هذا الخبر ثابتاً والأمة تحتاج إليه لجاء من غير وجه ولكن عنه ما سبق ذكره من الأخبار على كون الحجامة في حق الصائم منسوخة وأن استخراج الدم في نهار رمضان لا يفطر مطلقاً سواء كان كثيراً أو قليلاً وسواء كان عمداً أم سهواً الحكم واحد والله أعلم .