الحريم العثماني ( 2 )
بعد زوجات السلاطين تأتي في الحريم العثماني فئة المستولدات وتسمى الواحدة منهن (( اقبال )) ولقبها (( هانم )) ولها الحق في مشاركة السلطان فراشه . وهذه الفئة من الجواري وجدت في عهد سلاطين فقط . وأقدمهن تسمى (( باش اقبال )) وأغلب المستولدات كل من الجركسيات لما يتمتعن به من جمال وذكاء . وإذا وقع عليها الاختيار وأصبحت مستولدة يخصص لها جناح خاص وعدد من الجواري لخدمتها وتثقف لتصبح جديرة بمكانتها داخل الحريم . وترتدي ثياباً من أقمشة فاخرة ويسمح لها بارتداء فراء الكرك .
وبعد المستولدات تأتي المحظيات وتسمى الواحدة منهن (( كوزده )) وهن متعلقات بأداء الخدمات المباشرة للسلطان ويمكن أن يترقين من مستولدة إلى زوجة .
وفي قسم الحريم هنالك ترتيب هرمي تأتي على رأسه كبيرة المسؤولات عن خزينة السلطان وتسمى (( باس خزينة دار )) وهي المسؤولة عن إدارة جناح السلطان وتحمل مفاتيح خزائنه وأحد أختام السلطان الثلاثة ودرجتها تعادل درجة وزير ، وداخل القصر درجتها مساوية لدرجة الصدر الأعظم ، ولقبها في البرتوكول العثماني هو صاحبة السعادة (( دولتلو سعادتلو )) وتعطى وسام الشفقة من الدرجة الأولى وتمسك في يدها صولجاناً كبيراً مصنوعاً من سن الفيل ومطعماً بالزمرد والياقوت والألماس . وترتدي ثوباً ذا ذيل طويل ينسحب فوق الأرض ، موشى بخيوط الذهب حول المعصم وتضع حول الخصر حزاماً مزيناً بالحجارة الكريمة وتضع فوق رأسها طاقية مثبت بطرفها شريطان مجدولان في ضفيرتين يقال إنهما كانتا تصنعان من شعر الخيل .
وهي تنظم التشريفات الداخلية ولا يمكن لامرأة داخل الحريم حتى زوجات السلطان وبناته أن يقابلنه من دون ترتيب مسبق منها . وهي تترقى في وظائف الحريم وتتعلم آدابه وتقاليده وتختار الجواري اللواتي يدخلن للخدمة في الحريم ولها جناح خاص ويخدمها عدد من الجواري ولها مائدة طعام خاصة ولها أن تذبح في عيد الأضحى أضحية خاصة بها .
وبلغ أهميتها وقربها من السلطان إن كان من حقها وحدها دخول حجرة السلطان أثناء نومه وإيقاظه إذا استدعى الأمر ! وقالت الأميرة شادية بنت السلطان عبد الحميد الثاني : إن الباش خزينة دار في قصر والداها السلطان كانت سيدة كبيرة في السن وصادقة ونظيفة وبلغ من احترام والدي السلطان لها أنه كان يقبّل يدها !!!
الحريم العثماني ( 3 )
كان السلاطين العثمانيون يرعون الجواري عقب التحاقهن بالعمل في الحريم ، فيختارون للجارية اسماً فارسياً جميلاً بدلاً من اسمها النصراني أو اليهودي ، أما بنات السلاطين فكانوا يختارون لهن أسماء عربية ، وعندما كان السلطان العثماني يتزوج جارية فكثيراً ما يضاف إلى اسمها آخر عربياً رمزاً للشرف الذي حظيت به بزواجها من السلطان .
وعندما تلتحق الجارية بالحريم يتم إعداد برامج خاصة لتثقيفها وتعليمها القراءة والكتابة والحياكة والتطريز ودراسة مبادئ الإسلام ، وإذا كانت الجارية لديها الاستعداد العقلي فهي تعلم الفارسية أو العربية ثم التاريخ الإسلامي والجغرافيا وبعضهن درست فن الخط وتميزت فيه ، وكان للمعلمة التي تعلّم الجواري احترام خاص ، وعندما علم السلطان محمد رشاد أن المعلمة التي تعلّم الحريم قراءة القرآن الكريم كانت تدخن دفع بلها راتب سنة مقدماً وأعفاها من مهمتها إذ لا يجوز لمن تعلّم القرآن أن تدخن . وبعض الجواري كانت تتلقى تعليماً موسيقياً وفنياً متقدماً .
بعد تسع سنوات من الخدمة أي عندما تصل الجارية إلى سن الخامسة والعشرين يكون من حقها أن تطلب التقاعد أو العتق وكان الكثير منهن يرفضن ذلك ويرغبن في الاستمرار في الخدمة والبقاء في الحريم إلى نهاية عمرهن .
ويحكم الحياة داخل الحريم قواعد وآداب تحكم السلوك مثل النظافة والطهارة وحسن المظهر . فالجواري كلهن دائماً نظيفات ومحظور عليهن التثاؤب والتمخط على الملأ أو السير حافيات وارتداء ملابس غير مهندمة ، ويجب عليهن تقليم الأظافر والغسل المستمر ويعشن في خجرة نظيفة ، وعندما تمر جارية من حجرة إلى أخرى يجب أن تقول (( دستور )) وهي كلمة تعني طلب الأذن بالمرور . ومحظور على من في الحريم أن يتكلمن بصوت مرتفع ، وللقصر السلطاني أطباء مقيمون فيه بصورة دائمة وكانوا يتعهدون نساء الحريم بالعلاج والعناية الطبية المستمرة .
وكانت المواظبة على أداء العبادات داخل الحريم أمراً لازماً ، فإقامة الصلاة في الحريم والقصر أمر إجباري ، وكانت الأميرات ملزمات أولاً بختم المصحف قبل أن يبدأن في تلقي العلوم الأخرى ، وعندئذ يقام احتفال خاص داخل الحريم يحضره السلطان لتقديم التهنئة بهذه المناسبة .
ويسود شهر رمضان جو ديني ، ويقوم الوعاظ بوعظ النساء داخل الحريم وإقامة صلاة التراويح ، وهنالك ترتيبات لتنظيم علاقة الحريم بالعالم الخارجي وخروجهن للنزهة في الحدائق والمتنزهات خارج القصر .
وكان للحريم الكثير من الأوقاف التي شيدت مثل الجوامع والمدارس والمستشفيات والمساجد ودور الكتب وأقيمت الكباري والجسور والقلاع وبيوت الأرامل والأيتام وغيرها . وكل هذه الأوقاف أوقفتها زوجات السلاطين وبناتهن لخدمة الفقراء والمحتاجين وباقي فئات المجتمع الإسلامي في ذلك العصر .
وتقبلوا تحياتي