سنوات الشباب :
اسمي محمد سليم حماد . ولدت عام 1960 في العراق رغم أن أهلي من فلسطين . فوالدي رحمه الله سليم حماد المفتش في وزارة التربية والتعليم بالأردن وقتذاك كان في مهمة عمل في العراق حين وضعتني أمي . ثم لم تلبث الأسرة أن عادت إلى مدينة نابلس ، فجرش . قبل أن تحط بنا الرحال في مدينة الزرقاء بالأردن ، حيث نشأت وترعرعت وسط إخوتي الأربعة . وأمضيت عشر سنوات كاملات من سن التاسعة إلى التاسعة عشرة .
لم تكن أسرتي بالأسرة الملتزمة أو صاحبة الإنتماء السياسي المحدد . الوالدان يصليان كعادة أهل البلد ، لكن الدين عندهما لا يزيد عن ذلك بكثير . وحين بدأت أتردد على المسجد وأبدي وأنا في المرحلة الإعدادية ما يمكن أن يسمى اهتماماً أكثر بالدين ، بدأت علامات التململ تظهر في البيت . وحين تحول هذا الإهتمام إلى درجة أشد وأخذت أتفاعل مع الإسلام كقضية وبدأت أنشط في هذا الإتجاه ، انقلب التململ الخفي إلى معارضة وتحذير . لكننا تجاوزنا تلك المعارضة بالتدريج بفضل الله . ولم أكن واقع الأمر أحاول إلا أن أطبق الكلام الذي أسمعه في مسجد عثمان بن عفان الذي اعتدت المداومة على الصلاة فيه والإلتقاء بالشباب في رحابه من غير رابطة محددة إلى ذلك الوقت . كانت القضية مجرد عاطفة تجيش وتستعر ، لكن التفاعل مع الدعوة إلى الله أخذ يغمرني بشكل متزايد ، وتبليغ الناس هذا النور الذي بلغته أخذ يلح علي كهاجس دائم .
كنا مع مجموعة من الأصدقاء الأصفياء نتنافس في الخير . ولا أزال أذكر كيف كنت أستيقظ قبل أذان الفجر بساعة أو أكثر حتى في أشد أيام الشتاء برودة لأذهب إلى بيوت أولاء وأوقظهم للصلاة . وبعد صلاة الجماعة في المسجد كانت لنا جلسة لقراءة المأثورات . وجلسات ولقاءات في المدرسة بين الصفوف ، وبعد المدرسة ، وفي الصلوات الأخرى . ولم تلبث الأفكار أن بدأت بالتبلور لدي وأنا أتدرج في مراحل الدراسة حتى ملكت علي كل كياني ، وصرت أنفق كل تفكيري في البحث عن مجال نطبق فيه هذه الأفكار إلى حيز الوجود ، ووصلت إلى قناعة تامة بأنه مهما بذلت في سبيل ذلك الهدف فسيرخص دونه . ولم ألبث أن وجدتني عضواً في جماعة الإخوان المسلمين التي تنشط في الأردن بشكل علني ، ويدخلها الناس وينتمون إليها بشكل طبيعي وعادي . وعندما بلغت المرحلة الثانوية كنت مسؤولاً عن الطلبة المنظمين في مدرستي ولم يكن ذلك بالأمر الذي أخفيه .
منهج ونظام
كانت الحركة الإسلامية في الأردن وقتذاك في بداية تشكيل جديد بعد محنة إيلول عام 1970 . وكان إخواننا وموجهونا يُعْنَوْنَ بتربيتنا ويَجْهَدون لنقل الإسلام المتكامل إلى أذهاننا وعقولنا . فتعلمنا أن هذا الدين هو الطريق الذي تسعد البشرية من خلاله وحده ، وأنه نظام متكامل للحياة .. فهو منهج سياسي وحل اقتصادي وخلق وعبادة ونظام . هو دين الله وسعادة البشرية فيه ، وعلينا نحن الذين تبنيناه أن ننشره بين الناس ونجهد لتطبيقه على شكل نظام سياسي كامل . ولكم كان يحلو لي أن أنشد وقتها بكل جارحة كم جوارحي أبياتاً من قصيدة "شباب الإسلام" للشهيد هاشم الرفاعي يقول فيها وكأنه يتحدث بلسان حالي :
ملكنا هذه الدنيا قرونا
وأخضعها جدود صالحونا
وسطرنا صحائف من ضياء
فما نسي الزمان ولا نسينا
ثم إذا نظر إلى واقعنا ونظرت معه أنشدت أبياته التاليات :
وما فتىء الزمان يدور حتى
مضى بالركب قوم آخرونا
ترى هل يرجع الماضي فإني
أذوب لذلك الماضي حنينا
وتراني من ثم أهتف بانفعال أريد أن أسمع العالم كله أقول :
دعوني من أمان كاذبات
فلم أجد المنى إلا ظنونا
وهاتوا لي من الإيمان نوراً
وقووا بين جنبي اليقينا
أمد يدي فأنتزع الرواسي
وأبني المجد مؤتلقاَ مكينا
انه لصعب حقاً أن أصف مشاعري وقتذاك ، لكن الإنسان إذا تبنى فكرة بهذا العمق وهذا القدر من الجدية فإنه يجند كل سكنة وحركة من حركاته في سبيلها . ويشعر أنه على استعداد كامل لانتزاع الرواسي من أجلها .