أما آن أن نعلن: انهيار نظامنا التربوي؟ ( 3 - 4 )
1-التربية القمعية تنتج القطيع لاالأحرار:
هل كان السبب الجوهري لانهيارنا أمام الغرب ولا سيما قاعدة تواجده أمامنا إسرائيل، عسكريا أم اقتصاديا أم تقنيا؟، وهل كان سببه الأول خارجيا؟، أم أنه أخطر من ذلك كله؛ إنه داخلي ولم يكن الاقتصاد ولا التقنية إلا مظهرا، أما الجوهر فهو تربوي إنه نظام التربية القمعي،. وإنما كان الفشل العسكري والإداري والتقني من نتائج الانهيارالتربوي الكبير،أومن مظاهره أومن مضاعفاته. كان ذلك طبيعيا، فالعقل الكسروي الصحراوي؛ غير مؤهل لإنتاج غير ذلك .
أهم كوارث السلطة العربيةالحديثة؛ هو مواصلة إفساد التربية الاجتماعية؛ أجل لم تكن البلدان بلا مدارس، ولكن المدارس كانت بلا تربية،لأن نظام التربية القمعي؛ لاينتج أجيالا سليمة.
المدارس تنتج أجيالا مقموعة، وذلك شر أنواع التربية الاجتماعية. الحقيقة التي لايريد حاكم مواجهتها:أن أكبر إنجاز السلطة العربية-شعرت أم لم تشعر- أنها حطمت إرادة شعوبها بأجهزة المباحث والمخابرات، وعندما تتحطم الإرادة يتحطم العقل والوجدان، عندها يستخدم العقل والذكاء في تدمير الذات.
2-المستبد العادل أي نحن بلاثقافة سياسية:
ليس من المنطقي أن تعتبر الدولة العربية بذرة منبتة، ليس لها من جذور، أو فاسدة في مجتمع صالح ، فالدولة هي رأس المجتمع، ولا يمكن أن يكون الجسد من فصيلة الملائكة الصالحين، ورأسه من فصيلة الشياطين الفاسدين.
أول علامة على فساد جسد أي أمة، هي عدم اهتمام الأفراد بالدفاع عن مصالح الأمة العامة العظمى، وما يحتاجه الدفاع من إيثار المصلحة العامة على الخاصة، والتضحية بحظوظ النفوس العاجلة، فصلاح الأمة ليس الصلاح الروحي الفردي القاصرالساكن، الذي رسخ في أذهاننا، منذ اختلال ثقافتنا. إن أكبر فساد في التربية الاجتماعية؛ أن لايدرك الفرد أن الصلاح في العقيدة شطران: صلاح روحي وصلاح مدني .
لم يتجذر قيم الصلاح المدني والآليات التعاونية والشورية ؛في فكرنا التراثي الذي صيغ بعد الراشدين، لا في حقوق الإنسان،ولا في الشوراطية، فضلا عن هياكل مؤسسات المجتمع الأهلي.
ولم يكن لنا ثقافة سياسية ناضجة،لم يكون مفهوم الدولة الدستورية واضحا، في فكرنا الديني، فضلا عن أن يكون واضحا في سلوكنا السياسي، لم يكن منهج الإصلاح متبلورا، حتى عند عدد من مفكري النهضة، كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده،-على مالهما من فضل سابق-، فقد ناديا بنظرية "المستبد العادل"، متأثرين بتراث ضخم يمجد المستبدين. وكيف للمستبد أن يعدل؟، والعدل مرتبط بالشورى، ولذلك أوجبها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، في صريح القرآن؟.
إن من المخاطرة السياسية، أن تساق الأمة بالعصا، إلىأفكار يعتقد أصحابها أنها صحيحة أو مناسبة أو متقدمة، أو أنها عدل ورحمة، لمجرد أنهم يملكون الصولجان.
3-الاستبداد خصوصية عربية أم إسلامية؟
انجلت الدكتاتورية من أكثر البلدان، حتى الزنوج في أفريقيا عرفوا طريق الحياة،ووعوا أن الدولة لاتكون دون عدالة، وأن العدالة لاتكون دون شورى، وأن الشورى لاتكون دون دستور، فأقاموا الدمقراطية ومؤسسات المجتمع الأهلي وحقوق الإنسان،فلماذا ظلت للسلطة العربية خصوصيتها(الاستبداد)؟.
لأن للاستبداد جذورا متينة ضاربة في أعماق الدماغ ، في جينات الوراثة التربوية القديمة، امتصتها الثقافة المجتمعية السائدة، وجسدتها ونمتها السلطة العربية الحاضرة.
فهل الإسلام(في تطبيقه النبوي والراشدي) منتج لهذا الوباء؟ لقد تحررت من وباء الاستبداد أمم إسلامية أخرى، كإيران وماليزيا وأخيرا أندنوسيا، وهذا دليل على أن الاستبداد خصوصية عربية، لم ينتجها الإسلام.
إنه تراثنا الذي تحول دوره من معين إلى معيق،لأن الدولة العربية القامعة؛ بنيت على تراث(عربي) قمعي ضخم أخطبوطي، ماثل في ذاكرتها وذاكرة المجتمع منذ العصر الأموي، شاعت فيه العلاقات الرأسية، حيث يرتب الناس درجات ودركات، فتدمرت العلاقات الأفقية،التي هي مظهر (المساواة). صارت إرادة الأمة العامة سجينة إرادة النخبة الخاصة،الأصل في بناء الهرم أن يبدأ بالأساس الأدنى إلى الأعلى، أي أن يكون الأدنى هو أساس مشروعية الأعلى، فصار البناء منكوسا،يبدأ من الأعلى إلى الأدنى، فصار الأدنى رهينة الأعلى.
تراثنا مليء بتمجيد المستبدين، والتركيز على بطولة الأفراد،واختزال القبيلة بزعيمها، والطائفة الدينية بشيخها، واختزال الدولة بالإمام،واختزال انتصارات الأمم وهزائمها بأشخاص،واختزال صلاح الوزارة بالوزير، وصلاح المدرسة بالمدير.
من أجل ذلك تمسكت السلطة بالاستبداد، وأمعن الرأي العام في الانقياد، لأن هذا التراث عميق الجذور، في أعراف الآباء والأجداد.
فهل آن أوان إعلان سقوط حصون التربية القمعية؟،وهل آن للسلطة العربية أن تدرك أوهام العقل السياسي الكسروي الصحراوي، لكي تدرك أنه لاصلاح للعباد ولا للبلاد، إلا بماجربته الأمم في كل الملل والنحل والأقوام والأجناس واللغات والبلاد: ثلاثية الدستور: ضمان حقوق المواطنين، والشورى /الدمقراطية، والفصل بين السلطات الثلاث.
يتبع......