كانت الساعة العاشرة صباحاً ..
كانت الشمس تُحرقُ كل من على تحتها بسط ..
رغم هذا ..
كانت تقف أسفلها بكل صبرٍ وتحمّل ..
نظرت إليها وكانت لي تتجمّل !! ..
نظرت إليها ولم يستطع قلبي أن يتحمّل ..
نظرت إليها .. من بعيد وكاد قلبي أن يسقط ..
كيف لتلك أن تترك وحيدةٌ هكذا ..
هل ماتت الغيرة من قلوبهم ؟؟ ..
أم نزعت الرحمة من صدورهم ..
إلى من أشكو حالها !! ..
وإلى من أبعث محنتها !! ..
وإلى من أوصل شكواها !! ..
يا إلهي .. وياسيدي .. ويامولاي ..
لقد خانوها .. يوم أن جعلوها وحيدةً هُنا ..
لقد خانوها .. يوم أن جعلوها تتجرع العنا ..
لقد خانوها .. يوم أن جلعوها تلجأ إلى غيرك ربنا ..
إنهم خانوها .. وتخلو عنها ..
تخلو عنها .. يوم أن كانت بأمس الحاجة إلى أمثالهم ..
تخلو عنها .. يوم أن كانت لا تفخر بأحدٍ غيرهم ..
تخلو عنها .. يوم أن كانت تتجرع الألم من أجلهم ..
ربنا صب عليهم صب عذاب ..
وربنا كن لهم بالمرصاد ..
وربنا انتقم منهم وإلى مَن منهم عاد ..
وربنا أحرقهم كما أحرقوها أمام الأشهاد ..
إلا أن ..
إلا أن يتوبوا يا سيدي ..
إلا أن يتوبوا ياخالقي ..
إلا أن يعودوا ياناصري ..
نظرت إليها والدم يكاد يسقط من عيناها ..
نظرت إليها والقلب يريد أن يبوح بشكواها ..
نظرت إليها والتعب قد أُتعبَ !! من بلواها ..
أي بشرٍ أولئك هُم ..
وأي قلوب قلوبهُم ..
وأي عقولٍ تَحكُمهُم ..
لسان حالها ..
إلى الله أشكو لا إلى الناس حالتي ..
إذا صرت في قبري وحيداً أبلبلُ ..
إنها في قبرٍ واسع ..
هي تفضل الموت على الحياة ..
تريد قبر الآخرة الضيّق ..
لكنها لا تريد هذا القبر الواسع ..
ربما أرادت جوار الأموات ..
لكنها لم ترد جوار الأحياء الأموات !! ..
أي مصيبةٍ مصيبتكِ .. وأي محنتٍ محنتُكِ ..
ركنت سيارتي جانباً ..
كُنت أريد أن أشتري أغراضاً وأرحل ..
لكن لم يهنأ لي الرحيل !! ..
وجدتها على جانب الطريق ..
وقد لبست حجابها الشرعي ..
وجدتها ..
وكانت تنظر إلي .. وتطيل النظر ..
لم أعبه بها ..
وإنما ذهبت لقضاء حاجتي ..
خرجت من المحل الذي قصدته ..
واتجهت إلى سيارتي ..
كُنت أنظر إليها وكأني لا أهتم ..
ففاجئتني .. بسرعة خطاها نحوي ..
وفاجأتها على غير توقعٍ منها .. بإسراع خطاي نحوها !! ..
توجهت إليها بسرعة ..
حتى أن خطاي سبقت خطاها ..
كنتُ أنظر إليها ودموعي تكاد تسقط ..
بالفعل إني أريد البكاء ..
وقفت عندها وأنا ألتقط أنفاسي ..
قلت : هل تريدين خدمة !! ..
قالت : نعم .. أرجوك ..
تفاجأت بطلبها .. وكاد قلبي أن ينّدَقْ ..
قالت لي : أرجوك .. أنا أريد أن أقطع هذا الطريق ..
السيارات تمر بسرعة ..
قلت : حسناً .. أركبي معي لأوصلك إلى هُناك !! ..
قالت حسناً .. لكني أريد أن أذهب إلى مكانٍ آخر ..
قلت إلى أين ..
قالت إلى صديقتي ..
قلت حسناً .. أنا الآن عندي عمل .. ولا أستطيع أن أتأخر .. هل سيطول الطريق بنا ؟؟ ..
قالت إذاً .. أقطع بي إلى الناحية الأخرى فقط ..
عندها أردت أن أحميها من السيارات .. لأستوقفها ..
كانت تمر بسرعة .. ولا يكاد الطريق يخلو منها ..
أحسست بيدٍ تمسك بذراعي !! ..
لم أستطع أن أتحرك ..
لكني أظهرت عدم اهتمامي بذلك ..
قطعت بها الطريق الأول .. ووصلنا إلى المنتصف .. أي إلى الرصيف الفاصل بين الطريقين ..
كانت تنظر إلي بإعجاب ..
وتمسك بساعدي بقوة ..
أوقفت الكثير من السيارات في الطريق الآخر ..
وقطعت بها أيضاً ..
عندها شدت بساعدي وقالت ..
ولدي ..
وفقك الله أينما حللت ..
ليس هُناك من يهتم بي ..
عندي الكثير من الفتيات .. لكني لا أملك من الأولاد شيئاً ..
لن أنسى معروفك هذا .. وفقك الله ..
وانهال الدعاء ..
كانت الحروف المنيرة تتسابق من فمها .. لترتقي إلى السماء ..
تمنيت لو أني أملك الكثير من الوقت .. لأخدم هذه الأم الكبيرة المسنة ..
قبل الفراق مازحتني قائلة ..
هل أنت متزوج ؟؟ ..
قلت لا ..
قالت عندي مايطيب خاطري ..
قلت .. لا ياأمي .. أنا على وشك ذلك ..
لقد تأخرتي كثيراً ..
فابتسمت وذهبت إلى طريقها ..
رجعت إلى سيارتي .. وتوجهت إلى عملي ..
لكِ الله يا أم .......
كتبها : صديقي / أبو آلاء ..