إلا الصحة
د. رشيد بن حويل البيضاني . . . جريدة عكاظ 21 / 7 / 2010
الإهمال مرفوض في كل شيء، والتقاعس مرذول في كل عمل، لكنه في بعض الأحوال قد يصل إلى التحريم شرعا، والتجريم قانونا، عندما يتعلق الأمر بحياة الإنسان وكيانه .
أقول هذه الكلمات وأنا أقرأ نتائج دراسة أجراها مركز الحوار الوطني، جاءت نتائجها مزعجة حقا، لكل من بداخله مثقال ذرة من حب للوطن وتقدير للمواطن، فهناك ــ حسب الدراسة ــ 66 % من المواطنين يشكون من صعوبة توفير علاجهم في المستشفيات الحكومية ، وهي نسبة عالية بالفعل إذا ما ربطناها بما تخصصه الدولة من دعم لهذا القطاع الحساس ، كما أن 83 % من عينة الدراسة يرجعون صعوبة الحصول على هذه الخدمات الصحية إلى «الفساد الإداري» المتمثل في الواسطة والمحسوبية .
فلنتخيل أن مريضا في حالة حرجة ، وآخر أقل حرجا ، الأول لايجد واسطة للتنويم في المستشفى ، والآخر تمكن بما له من أقارب ومعارف وأصدقاء من دخول المستشفى ، وكان يمكن لحالته الانتظار، إنها جريمة أخلاقية بكل المقاييس ، وثمنها فادح ، حياة إنسان بريء ، لاحول له ولا قوة ولا واسطة طبعا .
كما أشارت الدراسة إلى أن هناك نسبة 29 % من الأطباء على قدر كبير من المهنية والجودة، وهذا يطرح تساؤلا خطيرا: ماذا عن 71 % من الأطباء الذين يعالجوننا نحن وذوينا؟!
كما أن نسبة 36 % تقر بجودة الأطقم الطبية في المستشفيات، وسؤالنا أيضا ماذا عن 64 % هي بقية هذه الأطقم التي تتولى رعايتنا داخل المستشفيات؟
وأشارت الدراسة أيضا إلى ضعف مستوى مراكز الرعاية الأولية، وأن حوالي 67 % من المستشفيات بحاجة إلى تطوير فعلي وجاد لتقوم بدورها الفعال، بل والطبيعي، نحو خدمة المجتمع .
الدراسة السابقة جاءت لتؤكد إحساسنا تجاه المستشفيات الحكومية التي تشهد بالفعل ترديا في مستوى ما تقدمه من خدمات ، ناهيك عن نوعية الأطباء من العرب والعجم ، الذين لو كانت سوقهم رائجة في بلادهم ما تركوها وجاءوا إلينا .
مطلوب تدخل فوري وحاسم من وزير الصحة وكبار المسؤولين في الوزارة ، والأخذ بعين الاعتبار نتائج هذه الدراسة رحمة بالمواطن ، وإنقاذا لحياة الأبرياء ، فمن أحيا ــ أي كان سببا في ضمان حياة الحياة ــ نفسا ، فكأنما أحيا الناس جميعا ، والعكس صحيح بالطبع .
مطلوب توفير مزيد من الأسرة في المستشفيات ، واختيار دقيق للأطباء وهيئات التمريض .
ومع أن 71 % من المواطنين يلجأون إلى المستشفيات الخاصة ، فهي أيضا ليست بأفضل حالا . نعم .. قد توفر السرير للمريض ، ويشعر آنذاك براحة نفسية لاعتقاده أنه أصبح في أيد أمينة ، لكن هذه المستشفيات أيضا ، التي تحولت إلى فنادق خمس نجوم ومراكز «ترفيه»، بدليل أن أكثر الوفيات تحدث فيها ، تحتاج أيضا إلى مزيد من الرقابة ، بل والرقابة الصارمة على ما يدور في داخلها .
الإهمال في مجال الصحة غير مقبول إطلاقا، فهو يذهب جهود حكومتنا أدراج الرياح من جانب ، وتنعكس آثاره السلبية على المواطن ، والمجتمع ككل من جانب آخر.
إياكم والتلاعب بنا ، إلا الصحة .