
فــــــــــــــــاصل:
وهو في الخصام غير مبين..
كلام رائع لحامد الحامد ..
بما أن المرأة لا تجيد الخصام فهي مغيَّبة عن ساحة القتال في مجتمعنا الذي يناضل فيه كل فريق من أجل المرأة التي يريدها طبقًا لمواصفاته الفكرية.
المرأة نصف المجتمع الذي يقاتل من أجله النصف الآخر، وكل فريق يريد أن يلبسها من الحلي والزينة الفكرية التي تناسب ذوقه ورغبته لتتجمّل بها أمامه.
بين فينة وأخرى تظهر ساحة للقتال تحت مسمَّى: قيادة المرأة للسيارة.. كشف الوجه.. منصب وظيفي.. مكان أدبي أو ثقافي للمرأة.. الاختلاط..
وكمتفرّج أمام هذه الساحة تثور في ذهني خواطر لا بأس من طرحها على المتفرّجين معي، ومن شاء من المتقاتلين أن يتعقلها فله ذلك إن لم تحجر عليه طائفته!!
أولاً: هناك شأن عام وهناك شأن خاص، وهذه الأمور التي يدور رحاها في ساحة القتال إن كانت من الشأن العام فمرجعها في تحليلها وحرمتها هنا في السعودية إلى هيئة كبار العلماء كجهة رسمية مخوّلة بهذا الأمر، وأمّا إن كانت من الشأن الخاص فكل أنثى فقيهة نفسها في هذه الأمور، ومثل هذا تمامًا الأسهم المالية التي يختلف في حكمها بعض العلماء بين عالم يرى أنها من الربا وهو من أكبر الكبائر وآخر يرى أنها من طلب الرزق الحلال، ولا يجد آحاد الناس مشكلة في مثل هذا الخلاف، وأين يقع تحريم قيادة المرأة للسيارة أو كشفها للوجه إلى جانب الربا؟!
ثانيًا: من المعلوم أن الشارع الحكيم قد حرّم الزنا تحريمًا قاطعًا، وجعله من الكبائر، وهذا الأمر القطعي وهو تحريم الزنا جعل الشارع ما يقاربه محرمًا ونهى عنه بقوله: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى)، ومن ذلك مشروعية الحجاب، فليس الحجاب مقصودًا لذاته، وإنما شرع للابتعاد عن الزنا، فتحريمه تحريم وسائل وليس تحريم غايات، ومن هنا فكشف الوجه والخلاف فيه دائر بين حاجيين:
الأول: كشف الوجه للحاجة.
والثاني: تغطية الوجه للابتعاد عن الزنا، والخلاف بين العلماء في تغليب أحد الحاجيين على الآخر وأصحاب القول الثاني يقولون بأن وجه المرأة هو مظهر جمالها، ولكن أصحاب القول الأول يرون أن تغطية الوجه مشروع كوسيلة وليس غاية، ولذلك يرجّحون جواز كشفه لحاجة المرأة لذلك، والأوّلون والآخرون متّفقون على أن تغطيته مشروعة، ولكنّ أصحاب القول الأول يقفون دون وجوبه لتغليبهم حاجة المرأة.
ثالثًا: في صلح الحديبة أصدر النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسومًا نبويًّا يقضي بتعيين أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- موظفة في الديوان النبوي تحت مسمى مستشار، وتمّ اتخاذ إجراءات أثناء تعيينها في هذا المنصب بناء على مشورتها تمسّ كافة أفراد الشعب النبوي.
وقد كانت الصحابيات -رضي الله عنهن- يسافرن مع الجيش النبوي، وبالتأكيد فلم يسافرن للنزهة، وإنما كنّ موظّفات في القطاع العسكري بوظائف تناسبهن، وبعضهن موظفات في وزارة الصحة منتدبات لعلاج الجرحى والمصابين.
والمؤرخون يحدثوننا عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أنه كان أثناء توليه رئاسة المجلس الانتقالي بعد مقتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- اتخذ قرارًا بمشاركة النساء في الانتخابات الرئاسية، وأعلن نتائج التصويت بفوز المرشح عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالانتخابات الرئاسية.
وفي عصر الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عضوًا نشطًا في هيئة كبار العلماء.
وعلاقة المرأة في بناء المجتمع ليست من الأمور التعبّدية التي نتوقف فيها حتى يردنا النصّ، وليست النصوص الواردة في حقّ النساء توقيفية لا ندري عن مقاصد الشريعة فيها، وإنما هناك مقاصد شريعة وقواعد مرعية نعرف من خلالها موارد تلك النصوص، ونلمّ فيه شتاتها؛ فالاختلاط مثلاً قد يأتي في النصوص ما يثبته، وقد يأتي ما ينفيه، ولكن إذا علمنا أنه من مقاصد الشريعة إبعاد الرجال عن النساء ندرك أن الاختلاط الذي قد يكون في بعض المواضع سببه الحاجة، وأنه خلاف الأصل، وعلى هذا فلا يصحّ أن نستدلّ في الاختلاط على آحاد النصوص النبوية، سواء في المنع أو المشروعية، وإنما نستدلّ بمجموع تلك النصوص على قاعدة كلية في الاختلاط، ويكون بناء الأحكام في المسائل التي يتحدث عنها الناس في الاختلاط، سواء في المستشفيات أو الجامعات أو غيرها بناء على تلك القاعدة الكلية.
وفي قول عائشة رضي الله عنها: "لو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد.." إشارة إلى هذا المعنى، فهي لم تبنِ الحكم على آحاد النصوص، وإنما نظرت إلى القاعدة الكلية التي تجمع النصوص النبوية.
وكذلك حكم قيادة المرأة للسيارة، ليس بالحرام ولا بالحلال ابتداء، ولكنه متعلق بظروفه وملابساته، كأي مسألة من المصالح المرسلة التي تدور عليها الأحكام الخمسة.
والمصالح المرسلة إن كانت تتعلق بالمجتمع فمردّها إلى وليّ الأمر، وإن كانت تتعلق بالأفراد فكل فرد فقيه نفسه، وهذه قاعدة مطّردة في جميع المصالح المرسلة.
وأما قياس السيارة على الدّابة فلا معنى له؛ لأن الذين يحرّمون قيادتها على النساء لا يحرمونها لعدم الدليل، فقيادة المرأة للسيارة من العادات، والأصل فيها الإباحة، ولكنهم يحرمونها؛ لأنها من المصالح المرسلة، وهم يرون أن إثمها أكبر من نفعها، ولذلك فركوب المرأة للدّابة لو ترتب عليه في هذا العصر ما يترتب على قيادتها للسيارة لكانت العلة واحدة، وأصبح تحريم ركوبها الدابة كتحريم قيادتها السيارة.
وكذلك تولي المرأة للمناصب الحكومية ينبغي أن يكون المنصب لائقًا بها ومناسبًا لها، ولا يجوز أن يكون تولي المرأة للمنصب مقصودًا لمجرّد كونها أنثى.
وعبر التاريخ قليل من النساء من تكون قيادية تصلح لمناصب عامة، ويصدِّق هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون".
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" سواء قلنا بأن هذا خبر كوني أو شرعي؛ فالسنن الشرعية لا تخالف السنن الكونية، والعقلاء يدركون أن مخالفة السنن الكونية يعني السير في طريق غير صحيح، والنص النبوي يتحدث عن الولاية الكبرى، وأما ما دونها فلها نصوص أخرى؛ ولذلك لم تطالب عائشة -رضي الله عنها- بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه- بالولاية العامة، وإنما تولّت ما دونها اجتهادًا منها لرأب صدع المسلمين.
وفي هذا العصر قارنْ نسبة النساء ذوات المناصب في العالم الغربي، ومدى فاعليّتهن في مناصبهن.
ومن الطريف أن يسخر قبل سنوات رئيس الوزراء الإيطالي من الحكومة الإسبانية؛ لأن عددًا كبيرًا من النساء فيها، ويصفها بأنها ورديّة أكثر من اللازم.
وفي مجال العلم والمعرفة أو الأدب والشعر لا أدري كيف يختلق بعض الذكور معركة مع بني جنسه حتى تتولّى الإناث مقاعد أكبر في هذا المجال، مع أن العلم أو الأدب ينبثق من ذات الإنسان، وليس مقاعد برلمانية ينتزعه الأقوى أو تنتزعه الأصوات الناخبة؛ فالمرأة العالمة ستفرض نفسها في مجال العلم، والشاعرة كذلك، والتاريخ خير شاهد على تفوّق الرجل العلمي والمعرفي والأدبي، وانظر نسبة النساء مقارنة بالرجال عبر التاريخ، وقارنْ أعلام النساء بأعلام الرجال ليظهر لك الفرق بين الرجل والمرأة.
ولا أحد ينكر الفوارق بين الرجل والمرأة، وربما تشير بعض الدراسات إلى وجود ألفين وخمسمائة فارق بينهما، وربك حكيم عليم، ولذلك قال سبحانه: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)، والفقهاء -رحمهم الله تعالى- يفرّقون بين الرجل والمرأة في بعض الأحكام الشرعية، وقالوا بأن المرأة على النصف من الرجل في خمسة مواضع: (العتق والدية والعقيقة والشهادة والميراث)، وهذه الاستثناءات تدل على أن الأصل هو مساواة الرجل بالمرأة، ويجمل هذا كله قول الشاطبي -رحمه الله-: (الرجل والمرأة مستويان في أصل التكليف على الجملة، ومفترقان بالتكليف اللائق بكل واحد منهما).