الرحالة الفرنسي شارل هوبير
خلال زيارته للقصيم ... بريدة
مابين عامي 1878 و 1882
بريدة وعين ابن فهيد
من الشقه قادتني مسيرة ساعتين كاملتين (7 اميال) الى بريدة حيث وصلت وقت صلاة العصر.
المدينة مطوقة بجدران من الآجر والتبن بارتفاع 4 امتار يجعلها التموج الزهري تبدو وكأنها حديثه جدا. المدخل اليها عبارة عن بوابة كبيرة بمصراعين مع عتبة من الحجر.تتخلل الجدران بين الفينه والآخرى أبراج مدورة أو مربعة يزيد ارتفاعها على ارتفاع الجدران بمترين. لايوجد سطوح وراء الجدران والأبراج.
توجهنا الى القصر مباشرة. وهنا وجدت الأمير حسن خارجا من المسجد حيث ادى صلاة العصر فاستقبلني بحفاوة.وضعت سجادات في الباحة فجلسنا عليها وتبادلنا السلام المعهود. ثم سلمته رسالة التوصية اللتي أعطاني اياها سيده أمير جبل شمر.
ولأن حسنا لايعرف القراءه فقد تولى امين سره قراءة الرساله بصوت منخفض بحيث لايسمع الاشخاص الحاضرون شيئا. فكرر لي ما كان قد قاله قبل القراءة انه سعيد بالترحيب بي وبالأمير محمد وان بيته هو بيتي وأنه ماعلي الا أن أطلب ما ارغب.كما اوصاني بالا اخرج ابدا من القصر دون مرافقة اثنين من رجاله وبأن احمل دوما سيفي وفق عادة المشايخ في البلاد العربية.
لقد خلف الأمير حسن والده مهنا الذي اغتيل وسط الشارع قبل ست سنوات.انه رجل في الثانية والخمسين من العمر مبتذل المظهر ولا ينم عن ذكاء متفوق.وفي عينه اليسرى بياض تمنعه من الرؤية من هذا الجانب وهو يتمتع باستقلاليه محدوده ولا يدفع لحائل سوى ضريبة واحدة بعضها من المال وبعضها الآخر عيني.
حكم الأمير حسن المهنا عشر سنين وقبله شغل شخص يحمل اسم عبدالعزيز المحمد منصب الأمير لمدة أربعين سنة تقريبا أي منذ سقوط الوهابيين.
لايربو وجود بريدة على مئة وثمانين عاما ولكن خلفت مدينة اقدم منها كانت موجوده على مسافة ميلين الى شمال البلدة الحالية وتدعى الشماس.
هذه الأخيرة أسست قبل ثلاثة قرون ونصف.والمسجد الذي اعتبر بلجريف أنه شيد قبل أربعمائة عام في الواقع شيد قبل أقل من مئة عام والمدينة تملك أربع مدارس وستة جوامع بما فيها الجامع الرئيسي في العاصمة.أما السكان الذين يعود أصلهم جميعا الى عنزه فيبلغ عددهم 10 آلاف نسمة.
بريدة مركز تجاري كبير ولكنه لايعرف لايعرف أوج ازدهاره الا خلال الأشهر الأربعة من السنة التي تلي قطاف التمر.في هذا الوقت غالبا مانرى منتصبة خارج بريدة ما يربو على ألف خيمة بدو يأتون للتزود بالتمر والقمح والأرز وبعض الأقمشة القليلة التي يحتاجون اليها.
فيما عدا هذه الاشهر الأربعة يكون ثلث المحلات مقفلة مما جعل بلجريف يعتقد أن المدينة في انحطاط.بل على العكس أعتقد أنه بأمكاني أن أجزم بأن ثمة ثروات في بريدة تفوق ثروات حائل عددا وحجما.وقد أعطاني الأمير حسن معلومات عديدة تؤيد ذلك.
المياه في بريدة ليست ليست طيبة المذاق.فهي في كل الآبار تقريبا مالحة جدا لا تصلح للشرب ومعكرة جدا في كل مكان.مستوى المياه الجوفيه يقع على عمق يتراوح مابين 5و10 أمتار تحت الأرض وللوصول اليها يجب على العموم اختراق ثلاث طبقات من الصلصال الرملي تبلغ سماكة كل واحد منها من متر الى مترين.
منذ أن بنيت بريدة اجتاحتها النفود وقد اكتشفت بهذه المناسبة بأن النفود يسير من الغرب الى الشرق.فالحدائق الواقعة غربي المدينة بات لديها اليوم من جهتها الغربية ارتفاع يتراوح مابين 6و8 أمتار من النفود يحاول السكان تثبيته بواسطة زراعة شجر الأثل.
غداة وصولي الى بريدة الذي كان في الثامن من آب ويصادف أول أيام شهر رمضان المبارك,عشية ذلك اليوم فيما كنت اشرب القهوة مع الأمير ,سألني اذا كنت عازما على الصوم واذا أجبت بالايجاب انفجر ضاحكا ولكنه أكد لي ان هذا لن يحصل وأنني لن أحتمله وأنه علاوة على ذلك كوني مسافرا يعفيني من الصوم.وبالفعل فقد أعد الطعام لي ولرفيقي كالمعتاد وكذلك القهوة.
وبعد وصولي بأربعة أيام,قمت برحلة شمال بريدة الى عين ابن فهيد وهي بلدة قديمة جدا يغذي نخيلها خمسة ينابيع.انما مياهها الصافية والجميلة المنظر غير صالحة للشرب لأنها متخمة بأملاح الكلس والماغنيزيوم.
في منتصف الطريق تقريبا بين عين ابن فهيد وبريدة ,توقفت ساعة خارج قرية فقيرة تعد 60 شخصا تدعى الطرفية.فأثر اختفاء الماء من الآبار قبل أربع سنوات تفرق معظم السكان في بلدات أخرى وماتت كل أشجار النخيل وظلت جذوعها المجردة من الورق منتصبة في الهواء على نحو محزن وكأنها غابة من عصي المكانس.كانت جميلة فيما مضى فكلها أشجار نخيل يتراوح عمرها مابين مائة ومائة وعشرين سنة.
يزرع السكان ,بالماء القليل المتبقي وغير الصالح للشرب باستثناء بئر واحد,الشمام والبطيخ.وهم يعملون على جمع الحطب في الصحراء ويبيعونه في بريدة كما يبيعون الشمام والبطيخ.
في المقابل عين ابن فهيد في ازدهار مضطرد.وقد رأيت فيها عدة مزارع نخيل تخص احداها الأمير حسن.
على مسافة 3 كيلومترات شمالا من عين ابن فهيد أطلال قديمة تدعى قصر مارد.وهو عبارة عن مبنى كبير مربع,ضخم جدا,بنى بالحصى والملاط الكلسي طول أضلاعه 40 مترا تقريبا وأضلاع الباحة الداخلية 30 مترا.يواجه باب المدخل الغرب أي القرية الواقعة على قمة تلة صغيرة تشرف على المنطقة.
على بعد خطوات,من الجانب الشمالي للقصر,صخرة على شكل طاولة يتراوح طولها مابين 40 و 50 مترا ويبلغ ارتفاعها مترين,تحمل نقوشا حميريه عديدة ولكنها كلها ممحوة تقريبا ولم أتمكن من نسخ الا بعضها.
من الناحية المقابلة للقرية تقريبا,على بعد كيلومترين الى الشمال الغربي فوهة بركان قديمة تشير اليها كتل كبيرة من الحث منتشرة على مساحة 500 متر مربع تقريبا وأحيانا مغطاة كليا بالنقوش.
وعلى غرار بلدات عديدة أخرى في الجزيرة العربية وبالأخص في نجد,فقد تحملت عين ابن فهيد نتائج كل الثورات التي هزت هذا البلد فأفرغت مرارا من سكانها وعادت آهله.الاقامة الحالية ترقى الى ثمانين سنة.وبالطبع فأن احدا من السكان الحاليين لايعرف شيئا عن الذين سبقوه في هذا المكان.
في اليوم الثالث من وصولي في 13 آب,غادرت عين ابن فهيد قبل الفجر بوقت طويل وبعد ساعتين قادتنا مسيرة عشرة كيلومترات جنوبا الى آبار وسيطة المهمة لأنها تزود عين ابن فهيد بمياه الشرب.
كل ليلة قرابة منتصف الليل يذهب رجلان يقودان خمسة عشر حمارا من القرية حاملة قرب السكان ويملأونها من آبار وسيطة.ويسيرون يوميا مسافة 20 كيلومترا للحصول على كمية المياه اليومية اللازمة.وأي مياه؟ لم ارى في حياتي ماء موحلة الى هذه الدرجة.أما مذاقها فباستثناء مياه الشقيق في النفود,لا اذكر أنني شربت ماء بهذه النتانة.ومع ذلك يا للسخرية المرة,تجري مياه ينابيع القرية التي تسقي النخيل صافية كمياه الصخور عندنا.
.
.
.
.
.
يتبع