قرأت في العدد الصادر يوم الثلاثاء 10/ 10 مقال الكاتب محمد آل الشيخ، واسترعى انتباهي عبارته عن تخمير المرأة وجهها بالنقاب أنَّه من قبيل العادات الموروثة، وهذا نصُّها:"أنا ممن يؤمنون أن النقاب أو البرقع أو (غطاء وجه المرأة ) عادة وليس عبادة "اهـ.
وأقول: سامح الله الكاتب على هذه العبارة، ولا أظنه إلا خفيت عليه نصوص الشريعة المتضافرة بما يضيق المقام عن استقصائها على مشروعية تخمير المرأة وجهها بحضرة الرجال الأجانب.
منها قول الله تعالى ( وليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنَّ ). والخمار هو: ما تخمّر به المرأة رأسها، فإذا كانت مأمورة بضرب الخمار على جيبها، فإنه مستلزم ضمنًا تغطية وجهها.
وهذا الذي فهمه نساء الصحابة رضي الله عنهن لما نزلت هذه الآية، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرين الأول، لما نزلت ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن مروطهن فاختمرن بها".
ومن نصوص مشروعيته أيضًا: قوله تعالى ( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنَّ ). والآية وإن كانت في حق أمهات المؤمنين، فهي عامة لكل من يتناوله الخطاب من النساء؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو معلومٌ من قواعد الشريعة.
قال الطبري في تفسيره: أي إذا سألتم أزواج النبي r، ونساء المؤمنين متاعًا، فاسألوهن من وراء ستر بينكم وبينهن ".
ومن الأدلة أيضًا قوله تعالى ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينًا واحدة".
وقالت أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأنَّ على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهنَّ أكسيةٌ سود يلبسنها".
ومن الأدلة حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك ). أخرجه ابن خزيمة في صحيحه.
ومن الأدلة أيضًا قوله r: ( إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جناح عليه أن ينظر إليها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة ) .
ووجه دلالته: أنه دلَّ بمنطوقه على إباحة النظر إلى الأجنبية حال الخطبة دون غيرها، ودل بمفهومه على إثم الناظر إلى الأجنبية في غير حال الخطبة.
ومما يُستدلُّ به أيضا قوله r: ( إذا كان لإحداكن مُكاتب، وكان عنده ما يؤدي، فلتحتجب عنه).
ومعنى الحديث : جواز كشف السيدة وجهها لعبدها، ما دام في ملكها، فإذا خرج منه، وجب احتجابها عنه، فدل بفحوى الخطاب على وجوب الاحتجاب عن الرجل الأجنبي.
ومما يدل أيضاً حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري وغيره، أن النبي r قال في الحج: (لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين ).
قال شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه الله: وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن" ا هـ كلامه.
فهذه جملةٌ من نصوص الشريعة الدالة على وجوب الخمار على النساء لا يسوغ معها القول بأنه من العادات أو الأعراف؟
إنَّ المتعين على المؤمن أمام نصوص الشرع المطهر الانقياد والقبول؛ امتثالاً لقول ربه سبحانه (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) وقوله سبحانه ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ).
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
حرره: علي بن فهد بن عبد الله أبا بطين
المدينة النبوية