إضاعة المال
الشيخ محمد صالح المنجد
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره . ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد ,,,
فإن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق يرزق من يشاء بغير حساب ، وهو مالك الملك عزَّ وجلَّ ، يملك البشر وما يملكون . وهو الذي له ملك الأموال كلها ، وقد جعل الله الأموال قياماً للناس ، وقسمها بين عباده كما يشاء سبحانه : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً } وكان هذا المال مجالاً لطاعة الله وعبادته لأهل الإيمان والدين . ينفقونه في مرضاة الله بعدما يكتسبونه مما أحل الله . وأما أهل الشر والفساد فإنهم يكتسبونه من الحرام أو ينفقونه في الحرام ، أو هما معاً . وقد قال سبحانه وتعالى عن إبليس : {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ } ومشاركة إبليس للعباد هؤلاء في أموالهم هو ما يأمرهم به من إنفاقها في معاصي الله عزَّ وجلَّ . فكل مالٍ عُصي الله فيه بإنفاقٍ في حرام أو اكتسابٍ في حرام فهو من مشاركات إبليس لعنه الله . والله تعالى لا يحب الفساد . ولأجل ذلك قال : { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } يعني لئلاّ يضيّعوها . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثا . قال في الحديث : ويكره لكم : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال . وهو الإنفاق في الترف ، والإنفاق في الحرام . الرجل يرزقه الله الرزق فيجعله فيما حرّم الله عليه . إضاعته : إذهابه في غير وجوهه الشرعية ، وكذلك تعريضه للتلف . وهذا الإسراف مجاوزة الحد في الإنفاق . وهذا التبذير الإنفاق في الحرام ولو شيئاً يسيراً . فمجاوزة الحد مذموم ، والإنفاق في الحرام مذمومٌ كذلك ، وهو معصيةٌ لله تعالى . وقال عزَّ وجلَّ : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } فكانوا وسطاً في إنفاقهم . وقد ذكر العلماء أمثلةً كثيرة لإضاعة المال ، كالذين ينفقونه في القمار فيضيع عليهم . أو في شراء ما لا يستفاد منه من الحيوانات ، أو في إنفاقه في الأسفار والسياحات التي هي في معصية الله أو لا منفعة فيها . ونهى أهل العلم عن رمي الطعام وقالوا : يأكله في اليوم الآخر أو يجففه أو يطعمه لبهيمةٍ ولا يرميه . حتى اللقمة إذا سقطت لا يدعها للشيطان .
عباد الله!
كثيرٌ من إضاعة المال التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم تحدث لدى الناس اليوم ، بعضه مرئيٌ محسوس وبعضه ليس كذلك . إنفاقٌ لهذه الطاقة الكهربائية . إهدار . وكذلك لهذه الثروة المائية ، وفيها إهدار . وشراءٌ لكثيرٍ من التحف والمحنّطات التي ليس من ورائها فائدة . وتأمل ماذا يحدث عند الكفرة من الغربيين والشرقيين الذين ينفقون أموالهم في الكلاب شراءً وعلاجاً وملابس وفنادق ومسابقاتٍ لملك جبال الكلاب . وهكذا من اقتنى كلباً نقص من أجره كل يوم قيراط . إنه شيءٌ عظيم يفوت على هؤلاء الذين يربون الكلاب في غير حاجةٍ شرعية ككلب الزرع والماشية وكلب الصيد والحراسة .