عرض مشاركة واحدة
قديم 30-03-06, 02:36 am   رقم المشاركة : 47
أبوفالح
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوفالح






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : أبوفالح غير متواجد حالياً

[align=center]
(( الجزء الثالث ))



وفي هذه اللحظات العصيبة أخذت تتسارع دقات قلبي وأنفاسي اللاهثة لم استطع كبتها أوتهدئتها

ولكن خوفي من الغرق والموت واسماك القرش وأهوال البحر .. جعلني أخرس فلا انبس ببنت شفه .

حتى كنت أختلس النظر مشدوهاً إلى صديقي وأنا غير مصدق لما يجري فكأني أعيش حلماً لا حقيقة .. ولم يكن صديقي بأحسن مني حالاً

فكلانا يعيش اللحظات الأخيرة .. قبل أن تغتالنا ظلمة البحر ووحشته.. وتتقاذفنا أمواجه ولججه .


وفي ذلك الموقف الرهيب في تداعياته والمغرق في خوفه وقلة حيلته .. أخذت عيناي تتسعان عن آخرهما

وأصبح التشبث بحاجز العبارة شديداً جداً .. فا النساء والأطفال والشيوخ أخذت أراهم يتقاذفون تباعاً في لجج الماء ا العاتية

والكثير منهم سقط في البحر والخيار ليس في يده .. فالجميع أمامي يصرخ .. و الجميع أمامي يتشبث .. والجميع ينادي على ذويه وأطفاله .

وحين اقتربت العبارة في جانبها الأيسر من مستوى سطح البحر الهائج .. ولم يتبقى غير المتر ونصف المتر ..

راعني أن أشاهد صديقي عبدالإله وهو يفلت حاجز العبارة ويقفز إلى البحر .

فلم أجد خياراً للتريث ومزيداً من التشبث .. بل سارعت إلى اللحاق به

وحين ارتطمت في سطح البحر .. غطست قليلاً ثم عاودت الظهور من جديد .. وكان طوق النجاة خير معين بعد الله

ولكن شاءت إرادة الله أن تكون الأمواج في تلك اللحظة عاتية وصاخبة جداً .. بل يبلغ ارتفاعها في بعض الفترات إلى قرابة الخمسة أمتار.

فكانت الأمواج تغشاني وتغمرني .. حتى أكاد أغرق وأنا ظاهر على سطح البحر

ولا ألتقط أنفاسي حتى تتجاوزني وقد عبثت في توازني ورصيد أنفاسي وما تبقى من جهدي ..

وحين تصبح الأمواج أقل عنفواناً .. كنت أنادي صارخاً باسم صديقي عبدالإله

فالظلام حالك جداً .. وارتفاع الأمواج يبني جداراً عملاقاً لا يجعلك تستبين حتى أقرب الأجساد إليك ..

فكان الصوت هو الوسيلة الأكثر نجاحاً وتعرفاً على ما حولك

وكنت أنتظر إجابة صديقي عبدالإله أو صرخة تخبرني بقربه .. ولكن دون جدوى .. فهدير الأمواج غلب كل صوت ..

ولكن رغم هذا أخذ يتناهى إلى سمعي شيئاً من جلبة الناس وصراخهم ومناداتهم لبعضهم البعض .

وفي هذه اللحظات المريعة .. لم تكن العبارة غرقت بالكامل .. بل كانت تحترق بشدة وعنفوان .. وفي مكاني العائم ..

أخذت تغشاني وتكتم أنفاسي سحابة سوداء .. زادت من حلوك الليل ووحشته .

حاملة معها رائحة احتراق شديدة جداً أشبه ما تكون بــ ( احتراق قطع هائلة من البلاستيك المقوى )

وقد زاد من حدتها وضررها .. كوني أرتمي قريباً جداً من مؤخرة العبارة .. والرياح في تلك الليلة تأتي عبر مقدمة العبارة إلى خلفها

فتنقل معها احتراق المقدمة ليغشى ويلف جسدي المرهق .

وحين أصبحت أختنق بشدة والصبر ليس في متناول أنفاسي .. حاولت العوم والهرب بعيداً عن رائحة الاحتراق ..

فكنت أبتعد وأحاول السباحة بعيداً عن العبارة .. حتى نجحت في الابتعاد قرابة العشرين متراً إلى الشرق ..

ساعدني في ذلك سرعة الرياح .. ودفع الأمواج

وحين أصبحت في مكاني الجديد .. أخذت ألتقط أنفاسي وأنا أكافح الموج وأتحاشى الغرق .. فكان الموج يضربني بشدة ودون هوادة

حتى يكاد يغرقني ويستهلك ما تبقى من أنفاسي .. حتى أيقنت في مرات كثيرة بالغرق والموت

فكنت أنطق بالشهادة مع كل موجة هادرة في طريقها إلى مكاني ولم ألبث قرابة النصف ساعة وأنا أكابد هذا المصير البائس

حتى تعبت وأجهدت وأصابني الإعياء وأنا لا أملك من أمري شيئاً ولا أستطيع لموقفي دفعا أو رداً ..

كنت أعيش في تلك اللحظات العصيبة جوانب مختلفة من الرعب المفرط

لقد اجتمع على قلبي في تلك الليلة رهبة البحر .. وهدير الموج .. ووحشة الظلام .

حتى بعد تكسر الأمواج وتجاوزها مكاني .. لم أكن لأحفل بالطمأنينة طرفة عين .. فقد كان ينتابني إحساس بوجود أسماك قرش

سوف تلتهمني قريباً من الأسفل وماذا عساني سأفعل لدفعها غير الصراخ وتدفق الدماء وتطاير الأشلاء .

لقد كان وسواس الخوف في تلك اللحظات يلح على تفكيري بوجود هذه القرش المفترس تحت قدمي بل يكاد يحتك بأناملي

وقد تعجب وتعجب إذا أخبرتك أني كنت في بعض اللحظات الخائفة أرفع أقدمي بمحاذاة سطح البحر

معتقداً ابتعادي قليلاً عن سمك القرش .. وحين تأتي موجة عاتية .. أتناسى تماماً سمك القرش

لآخذ نفساً يمنحني البقاء حتى تتجاوزني تلك الموجة .. ولم أزل يا صديقي على تلك الحالة البائسة وقتاً ليس بالقصير

حتى حدثت مفاجأة غريبة كاد قلبي معها يطير هلعاً وخوفاً ورعباً تجاوز المبالغة والسرف

حدث في تلك اللحظات التساجلية بين الموت والحياة .. أن التفت للخلف لأنظر مكان العبارة وقد غاصت تماماً في اعماق البحر ..

غاصت بحملها الغض والضعيف من النساء والأطفال وكبار السن ومن أعيتهم الحيلة في مغادرة كبائن النوم والراحة

ليصبح نومهم وراحتهم تحت أعماق المياه السحيقة .. إلى حيث لا يمكن الوصول إلى ملامستهم والنضر في ضحكات أعينهم .

هذه النظرة الخاطفة والسريعة إلى مكان العبارة .. جعلت شعر رأسي يكاد يقف من الخوف والترقب .. لقد شاهدت في حلكة الظلام المخيم

جسماً كبيراً يتجه إلى مكاني فوق سطح البحر وكان يقترب بهدوء ودون صخب .. فأخذت أنظر إليه وعيناي زائغتان

وأنفاسي اللاهثة تتسارع بشده .. وأخذت سريعاً أترقب دون شك أن يصبح رأسي وليس قدمي بين فكي القرش المفترس .

وحين بلغ مكاني وكاد أن يلامس جسدي .. أصبحت في شبه الغيبوبة وتجاوزت مرحلة الخوف والرهبة إلى حيث الاستسلام ونطق الشهادة .

ولكن الذي حدث .. مغاير تماماً لتوقعاتي الخائفة .. لقد كان هذا الجسم العائم لا يعدو أن يكون قارب نجاة أفلت من زحمة مريديه .

لقد كان يتهادى خاوياً لا يعتليه أحد حتى بلغ جسدي العائم وحين لامسني أو كاد يلامسني أدركت أنه قارباً للنجاة

وهنا كدت ابكي فرحاً وسعادة ولم أتريث لحظة واحدة بل سارعت إلى التشبث فيه .. وحين حاولت الصعود فوق ظهره أعيتني الحيلة في ذلك

.. فلقد أخذ البحر مني كل جهد وقوة .. وقارب النجاة هذا يتكون من طبقتين هوائيتين .. ولم أستطع النهوض بجسمي

واعتلائهما حتى أرتمي في وسط القارب .. وحين خانني الجهد وأصبحت مفلساً في صعود القارب .. خطرت لي فكرة سريعة

وهي ربط القارب بذراعي من حزامه المحيط حتى آخذ قسطاً من الراحة والاسترخاء .. ثم أحاولة صعود القارب من جديد .

وبعد مضي قرابة النصف ساعة من الوقت عاودتني الرغبة من جديد إلى صعود القارب .. ولكن هذه المرة كنت أكثر هدوء وطمأنينة

لذا لم أسارع إلى ارتقائها من مكاني .. ولكن أخذت أستدير عليها وأذرعي لا تنفك عن التشبث بها .

حتى عثرت في مؤخرة القارب على مكان مخصص للصعود .. وحين أصبحت في وسط القارب .. تنفست الصعداء وأحسست ببعض الأمان

ولكن راعني أن أجد قارب النجاة وقد امتلئ بماء البحر.. ليصل مستواه في بطن القارب إلى مستوى مخيف جداً .

فخشيت من مغبة ذلك وسارعت إلى فعل أيّ شئ .. ولكن آلمنى وأحزنني افتقاري لأي وسيلة أرفع بها الماء وأدفعه خارج القارب

فكانت أكفي المضمومة هما الوعاء اليتيم الذي بوسعي إيجاده .. فأخذت أخرج الماء بحرص ومثابرة وتواصل

ولكن في النهاية غلبني الموج الهادر وأصبح يقذف في بطن السفينة أضعاف ما أخرجه منها حتي تعبت ومللت وأصابني اليأس والخور

فسلمت أمري إلى الله وتمددت في بطن القارب وغاص جسمي في الماء الدافئ الذي يحتويه .. مسنداً رأسي على مقدمة القارب

ثم ذهبت في نومة متقطعة وغريبة .

وأصبح القارب يهيم على وجهه ويذهب كف شاء والأمواج والرياح تتقاذفه من كل جانب .

وفي تقديري أن الوقت في تلك اللحظات كان يسبق الفجر بساعة أو تزيد قليلاً .

فكنت استغرق في النوم وأشعر بلذة الراحة .. حتى تنتشلني من هدوئي ورقدتي موجة عاتية تقذف الماء البارد فوق وجهي

فأنتبه مذعوراً خائفاً فزعاً .. ولكن تراكم السفر والسهر وأهوال غرق العبارة يجعلني مجهداً حتى الثمالة

فلست ألبث غير لحظات قليلة ثم أعاود النوم من جديد

وفي إحدى فترات النوم طال استغراقي إلى وقت لست أدركه .. حتى أيقظتني موجة عاتية سكبت ماءاً غزيراً على بدني ووجهي .

فتنبهت مذعوراً كالعادة وفتحت عيناي عن آخرهما .. وأنا أشعر ببرد شديد ..

ولكن راعني أن أجد الشمس قد أشرقت لصبيحة الجمعة .. وأصبحت أرى البحر المخيف يزمجر في وضح النهار ..

فالتفت يمنة ويسرة ورفعت رأسي عالياً .. وعيناي تبحث بقلق ورهبة عن رفاق العبارة وعن صديقي عبدالإله

ولكن لا فائدة .. لست أرى فيما حولي غير مياه البحر الهائجة .. وعندها نهضت من رقدتي وتوضأت من بطن القارب ثم صليت الفجر

وأطلت فيها وأنا أبتهل وأدعو الله أن ينجيني ويجمعني بصديقي عبد الإله .

.
.
.
.
.
.
.
.
:

تصبحون على خير [/align]







التوقيع

[align=center][/align]