حادث !... سيارتنا تهشمت .. سائقنا في حالةٍ حرجه تغطيه الدماء... الأرض ملئي بحطام الزجاج وعامود النور ساقطٌ في منتصف الشارع ... قدامي ورأسي يؤلماني بشدة ! ...لقد خضت تجربة موت !
بدأ رأسي بالدوران....أكاد أن افقد وعيي من هول ما أرى !... بحثت عن اقرب عامود حتى امسك به .... ولكن عوضاً عن ذلك امسك بي شخص ما !
امسك بي وبقوة ! ... وهمس قائلاً .....( ما صار لك شيء..أنتي بخير... اهدي !)
لم اعي من هو ذاك الشخص كل ما فعلته هو أن انخرطت في بكاء شديد ..... كنت قد بدأت استيعاب ما حدث ... كدت أن أموت منذ دقائق ....كنت في نزاع مع الحياة.....مر شريط حياتي أمامي سريعاً بسرعة اصطدام السيارة .... خضت تجربة الثواني الاخيره ...و لم يخطر في بالي أن أتشهد ... لمست ذاك الحد الرفيع بين الحياة والموت
ولم أمت !
امسك بيدي وأجلسني على حافة الرصيف ... ثم نظر إلى عيني مباشرة ...(اهدي ! ... ما صار إلا الخير....بروح أجيب لك موية استني هنا ولا تقومين !)
بعد أن ذهب لإحضار الماء .. عرفت من هو ! ... انه يوسف !.
لم أفكر كثيرا فالأمر كنت منهكة القوى .. ورأسي يكاد ينفجر .. وأنا أحاول استرجاع ما حدث !
دقائق معدودة وفقدت الوعي من جديد !...
استفقت في أحد غرف الطوارئ في المشفى ... يقف بجانبي طبيب ما ...
_ أنا وين ؟
_ انتي في المستشفى الحين .. صار لك حادث سيارة ... والحمد الله ما في كسور ولا نزيف داخلي .. كل الأمر حالة إغماء من هول الموقف ... جابك واحد من الناس اللي شهد الحادث بعد إغمائك على طول ... كلمنا اهلك لا تخافين.. دقائق ويكونون عندك
نظرت حولي لاستيعاب المكان ... حاولت تذكر ما حدث لم استطع ... بعض المناظر فقط علقت في ذهني ...منظر السائق مغطى بالدماء ... الزجاج المتكسر في الشارع ... سيارتنا المتهشمة ... يوسف ممسك بي حتى لا أقع .... يوسف !
التفت حينها ورأيته يقف خارج باب الغرفة... يفرك أصابعه بكل توتر ... ربما هو الذي أحضرني إلى هنا فهو الوحيد الذي اذكر وجوده في مكان الحادث !
بدا وكأنه يتمتم بكلمات لا أكاد اسمعها .. يدور بكل توتر عند باب الغرفة ... وفجاءة التف إلى جهة الباب ودخل !
_ السلام
_ وعليكم
_ سلامات ..ما تشوفين شر كيفك الحين ؟
_ الحمد الله كويسه ... شكرا
_ ما سويت إلا الواجب ..كنتي مفزوعة .. عشان كذا دختي ولا الدكتور يقول ما في اصابه ولا فيك شيء غير آثار صدمه
_إيه ادري قال لي الدكتور
_ كلمو على اهلك وراح يجون أتوقع هم بالطريق الحين
لحظة صمت ...بدا التوتر على وجهه ظاهراً .. بدا وكأنه قلقاً ... ومستعجلاً!
_ إذا سمحتي لي أنا لازم أروح لان اختباري يبدا بعد نص ساعة ويادوب الحق !
إذا تخافين تجلسين لوحدك اقدر أنادى لك وحده من الممرضات تجلس معاك
_ لا شكرا سويت اللي عليك وزيادة روح ... وش دعوه أخاف !
_ أكيد ما تحتاجين شيء ... إذا تبين اجلس لين يبجون اهلك
_ لا شكرا
ابتسم مودعاً ... واتجه إلى الباب خارجا ً ... صرخت حينها بكل حماس
_ يوسف !
التف مبتسماً ...سعيداً.. أكل هذه السعادة لاني نطقت باسمه !
_ هلا ؟
_ جزاك الله خير
_حق و واجب
وخرج !
وماهي إلا دقائق معدودة واتت أمي وأخي فزعين !
خرجت من المستشفى بعد أن قضيت الليلة هناك ... أصرت أمي على بقائي في المشفى حتى تطمئن !...
فهد قضى الليلة معي في المشفى ..... لم أحس يوماً بان أخي يحبني أو يهتم لأمري إلا في تلك الليلة ... حادثني دون خشونة ... حادثني بحنان الأخ
فتح لي قلبه وأسراره لأول مره ... علمت منه انه يحب ابنة خالتي ... وانه متردد في خطبتها .. شجعته وامتدحتها له
لطالما أحسست بأنه اكثر الرجال خلواً من الرومنسيه والعطف ... لم أحس يوماً بأنه من النوع الذي يحنو أو يحب ... لطالما تخيلته جبل جليد لا يتحرك ولا يحس ... ولا يتأثر بالأحوال من حوله
لم أنسى موقفه في أول ليلةٍ قضيناها من دون أبى ... أمي كانت تبكي بحرقه ... وأنا وأختي لمي نجلس عند قدميها ونبكي لبكائها .. لم نفهم وقتها ما كان يحدث من خلافات بينهم ... لم نفهم معنى كلمة ( زوجة أب)
ولكن فهد كان هو الأكبر بيننا .. كان ينظر إلينا ليلتها بكل جبروت !... عيناه تلمع قوة !.. أحس ليلتها بأنه سوف يتحمل مسؤليتنا من اليوم وصاعد !
تقمص دور ولي الأمر والأب .. قبل أوانه ... تحمل .. أو حملته أمي المسؤليه منذ إن كان صغيراً
من الطبيعي بأن يكون بهذا التبلد ... بهذه الخشونة
من الطبيعي أن يكون بهذه القسوة ... يخاف علينا ... ينبهنا لكل صغيرةٍ وكبيرة ... يصرخ ويشتم لأصغر واكبر الأسباب .. خوفاً علينا
أخي ..... اكثرُ شخص ٍ فينا تأثر من طلاق أمي ومأساتها
عدت إلى حياتي الطبيعية .. كل صباح افتح صندوق الجرائد بكل حماس !... ولكن لا أجد شيئاً
بدأت نظرتي تتغير تجاهه من شخص تافه .. إلى منقذ !
وجوده في مكان الحادث ذاك اليوم أثر في كثيرا ً
اخرج صباحاً أنا وأختي إلى أحد الأسواق التجارية ..قبيل ركوبي السيارة هرولت إلى صندوق الجرائد أخذت ما في محتواه وركبت السيارة
_ ما شاء الله كل ذا ثقافة !..وحماس على الجرايد ؟
_ بعد الواحد لازم يعرف وش يصير في البلد !
هزت رأسها محاولةً إقناع نفسها بأنه مجرد فضول للمعرفة ... وجدت بين الجرائد ظرف صغير دسسته في حقيبة يدي بسرعة حتى لا تنتبه لوجوده
نظرت عبر مرآة السائق ... ووجدت حارسي ومنقذي يتتبعنا بسيارته !
أي الرجال أنت ليس لديك شيئاً تفعله كل صباح غير تتبع سيارتنا !... تبسمت في داخلي ...
وجوده خلفنا يشعرني بالراحة والاطمئنان بعد أن كان يوترني أشد التوتر !
وجوده في مكان الحادث ذاك اليوم منحني الشعور بالأمان ... وجدت فيه ذاك العطف الذي لم أجده من رجل !
أحسست بأنه أبى !... وجدت فيه ذاك الأب الذي لم اعرفه يوما ً ... يقف خلفي ليؤازرني ... يقف أمامي ليصد عني كل مكروه
ليته يتتبعني كل صباح ومساء حتى يدفع عني كل سوء
وصلنا إلى المركز ... لم أره عند البوابة ولا في الأسياب ...ظننت انه قد ذهب إلى مكان آخر... وانه فقط تتبعنا إلى أن وصلنا
بعد دقائق نسيت أمره كلياً.. وانشغلت مع لمي !...و آه من لمى .. تكاد أن تشتري جميع ما بالسوق من ملابس وحلي !
اهكذا تجن العروس قبل زفافها ؟
فاجأني وجهه في إحدى المحلات ... فجأة ودون أي سابق إنذار وجدته أمامي مبتسماً
إن الابتسامات فواصل ونقاط انقطاع ... وقليل من الناس أولئك الذين ما يزالون يتقنون وضع الفواصل والنقط في تصرفاتهم !
وهو يجيد ذلك !
ابتسامته تحمل معاني كثيرة .. بريئة .. وخبيثة في آن واحد !
راودني الفضول لمعرفة محتوى الظرف في تلك اللحظة !.. كدت أن اجن واقوم بفتحه أمامه ولكني تمالكت نفسي !.
ما إن وضعت قدمي في المنزل حتى انطلقت إلى غرفتي مسرعة .... افتح محتوى الظرف بكل سعادة
[frame="9 70"][ إلى متى اعتكف ؟ .... عنها ولا اعترف ؟
اضلل الناس ولوني باهت منخطف ؟
وجبهتي مثلوجه ومفصلي مرتجف !
يا سرها ماذا يهم الناس لو عرفو؟
لا لن أريق كلمة عنها
فحبي لها شرف
لو تمنعون النور عن عيني .... لا اعترف ]
لم ولن اعترف إلا لكي
معجب أنا بك آنستي
يوسف[/frame]
تزوجت لمى ... بكيت ليلتها كما لم ابك من قبل ! ... أول ليلة لي دون أختي ... فقد بيتنا أحد أركانه ... لا اعتقد باني كنت سأفتقد فهد إذا ما تزوج ... ولكن لمى ... بصراخها... بمزاحها الثقيل .. بجبروتها .. بقوتها ... بغرورها .. وغيرتها
كانت تملئ حياة أياً كان ....لطالما ملئت أركان هذا المنزل بضحكتها الساحرة ... بالرغم من خلافاتنا ونزاعاتنا وغيرتنا الشديدة ... إلا أنني أحببتها ... وأحببت وجودها قربي
ليلتها شعرت بشعور فقدان شخص عزيز للمرة الثانية .... أولا أبى والآن لمى ... ولا اعلم من سيكون التالي ؟
بعد يوم من زفاف لمى أتى أبى إلى منزلنا ... استغربنا وجوده ... أتى ليودع لمى .. أو ليراها فهي ترفض مقابلته منذ سنين ... ولم تدعوه في حفل زفافها ...قابلته فقط في يوم كتب كتابها ولم تصافحه
لمى لم تنس انه تخلى عنا في يوم من الأيام .. وفضل أخرى على والدتي ... حتى عندما أتى بعد يوم زفافها رفضت مقابلته .... وانسحب خائبا من منزلنا
في تلك الليلة لم انم ... أفكر فيما إذا كان أبى قد نسينا أم لازال متعلقاً بنا ؟
رن جرس الهاتف في وقت متأخر ليلاً....ترددت قبل الإجابة ولكني أجبت لعله من سكن بين أضلعي
_ الو
_هلا
_أقولك شيء يضحك ؟
صمت مستغربه ! أي الرجال أنت تبدأ حديثك دون مقدمات !
_ تدرين إني ما اعرف وش اسمك ؟
انفجرت ضاحكه.... وأيُ رجلٍ هو يحب دون أن يعرف اسم محبوبته ؟
_يعني كل هالرسايل اللي تكتبها لي ... وما تعرف اسمي ؟
_ على الأقل أنا في كل رسالة أذكرك باسمي واكتب تحت يوسف ... انتي ما كتبتي برسالتك وما عمرك جبتي طاري
_ اجل كيف اختك عرفتني بالجامعة ؟
_ وصفت لها شكلك ... وقلت لها اسم عيلتك .. الشيء الوحيد اللي اعرفه
_ تبي تفهمني انك ما تعرف ايش اسمي يعني ؟
_ يمكن اعرفه .... بس أبى اسمعه منك ... تفرق منك ... يمكن يكون أحلى
رددت عليه بكل خجل.... بكل غنج.....بكل دلع
_ اسمي فدوى
لحظتها اثبت أن (إن كيدهن عظيم !)...... وأقفلت خط الهاتف !
ليلتها ضرب على وترٍ حساس !... لطالما اعتقدت إني املك اغرب الأسماء وأصعبها ! !
بعد مرور ثلاثة أسابيع .. عادت لمى من شهر العسل ... واتت لزيارتنا هي ووليد ...لكم جميل هو منظرهما ...يجلسان بجانب بعضهما البعض .. بكل سعادة يعلنان حبهما للجميع .. لا يخافان الأنظار ... يضحكان .. يتغامزان .. بل حتى قبلا بعضهما البعض منذ دقائق ! ... اسرح فيهما بكل سعادة ... آه لكم أحسدكما !
تخيلت اليوم الذي سآتي فيه أنا ويوسف لزيارة منزلنا بعد شهر العسل .. سيكون منظرتا اجمل منهما بكل تأكيد ... فنحن متحابان من قبل الزواج ! ... ستلمع السعادة في أعيننا وسيراها الجميع ..وسيغبطنا الأهل ..وسيحسدنا الأصدقاء ... أكاد أموت شوقا لهذا اليوم !
وبعدها سيأتي اليوم الذي سوف نبشر فيه أمي بقدوم حفيد لها ... ونغمر قلبها بالسعادة .. ونبدأ في انتقاء الأسماء .. والخلاف عليها ! ......آه
ما هذا ! ... فدوى توقفي !!! ... لا تسرحي بخيالك بعيدا هكذا !! ...بدأت بهز رأسي يميناً ويساراً كي ابعد هذه الأفكار عن خاطري واهمس في داخلي ( بس !! .. بس !! )
_ بسم الله عليك شفيك تهزين راسك ؟....و بس بس ؟
_ آه .... كانت قدامي ذبانه..... وو آه ... وما كنت ابغاها تلمس وجهي !
للمعلومة فقط ... أنا أغبى النساء على الإطلاق في تصريف الأمور !
اصبح يجري مجرى الدم في شراييني ..رسائله تملأني عشقا ً من رأسي حتى أخمص قدامي .... مكالماته النادرة لي ليلا ... التي تنتهي ببضع جمل ... ببضع غزل ... ببضع عذاب .... كانت تمدني بالحياة
غريب أن يخاف الناس بأن يقعو في الحب ...عذابه حلولاً ... ومرُه عسل ..مجرد فكرة بأن هناك شخصٌ ما .. يفكر بك ليلا ويتمنى أن تفاجئه في أحلامه ... تجعل أيا كان في قمة السعادة !
يأتينا العشق من حيث لا نحتسب ... يتسلل إلى أعماقنا دون أن نحس ... يغزو أفكارنا دون أن نبالي ...نستسلم لجبروته دون مقاومة ....عندما نعشق نتوقف عن التفكير ...نتوقف عن الاهتمام بما حولنا ... نضرب بعرض الحائط بكل معتقداتنا .. بكل تقاليدنا ... بكل كرامتنا ...فقط من اجله !
كيف لشعور كهذا أن يقلب حياة الآخرين رأساً على عقب !... أو أن يقلب حياتي أنا رأساً على عقب !
فأنا منذ أن أحببته وأنا افعل اغرب الأشياء ... أتمتع بأتفهها...اصبح لكل شيء من حولي طعم ومذاق آخر
أصبحت استشعر قيمة كل شيء من حولي...اصبح لمنظر الأطفال وهم يلعبون معنىً آخر.. ولطعم القهوة مذاق آخر .... وللون السماء تفسيراً آخر ...ولقرصة البعوض ... إحساساً آخر
التقيته ذات صباح .. في إحدى المحلات التجارية .. لرؤيته تقشعر كل خلية في جسدي... واعجز عن نزع الابتسامة من على وجهي !.. لمنظر ابتسامته .. نشوة انتصار ..أسعيدٌ أنت لرؤيتي ؟
لرؤية محبينا إحساس غريب !..نشعر بالحياء ولكن مع ذلك تقودنا الخطوات إليهم ..نخجل أن نراهم ومع ذلك نرفع أبصارنا إليهم .. لنستكشفهم ... لنستشف من نظراتهم بعض الجمل ... أليس هناك لغة للأعين ؟
يومها لم يكن لأعيننا لا لغة .. ولا حديث .. فلم يكن وحده آنذاك كان معه أحد أصدقاءه ....لمجرد رؤيته معه .. تذكرت موقفنا التافه ...لماذا يصادق هذه الطبقة المنحلة من المجتمع !
كيف له العيش بينهم دون أن يتأثر !
صديقه يكاد يقتلني بنظراته ... شعرت بالضيق وخرجت مسرعة !
ليلتها عشت في عالم الأحلام ولم أطأ ارض الواقع .. استرجع شريط رؤيتي له.. ابتسامته نظراته .. طول قوامه ..عرض منكبيه .. لكم غريب أن نعشق كل شيء في محبينا !.. نغض النظر عن كل ما فيهم من عيوب !
نرى ما نريد أن نراه فيهم .. ولا نرى ما نكره .. نسمع ما يزيدنا فيهم عشقاً.. ولا نسمع ما يخدش علاقتنا بهم !...عندما نشتم رائحة الخلاف نبدأ في تهدئه الوضع ... عندما نشعر ببرود المشاعر ..نحاول قدر إمكاننا ....أن نعيد إشعال الأحاسيس بيننا
مهما وصفت .. ومهما عبرت ... لن أستطيع وصف هذه المشاعر .. ولن أعطيها ربع حقها ...إنها أحد نقط التغيير في حياة كل إنسان .