بعد سويعات ...علمت أنى وافقت على الزواج !.... كيف حدث ذلك ؟.. لا اذكر كل ما اذكره هو باني دخلت وفهد إلى الغرفة .. وأني سرحت في عالم آخر .. وخرج فهد بعد عدة دقائق !
حدد موعد كتب الكتاب دون علمي .. أو ربما سألوني ولكني كنت في عالم آخر وأجبتهم دون أن أحس بذلك !... فهذه الأيام أصبحت أعيش في عالم الخيال ... ولا أطأ ارض الواقع .. إلا ما ندر !
أتى اليوم الموعود ... لا زال صوت الشيخ يرن في رأسي ...
_ هي تقبلين الزواج بــــ ...؟
اذكر أني يومها سمعت اسمه بدلا من اسمع اسم زوجي ... أجبت بكل سعادة ...
_ أيــــــه
بعد عدة دقائق .. أيقنت باني قد تزوجت رجلا لا يمت بأي صلة للذي كنت قد وافقت على الزواج به !
هكذا تزوجت !... وهكذا عرفت عبدالله !....كان من أطيب الرجال واحنهم قلبا ... لا أنكر فضله علي ... كان يهاتفني يوميا ً ... يبدأ بالحديث ويسترسل ... وأنا ادخل في عالم الأحلام مع طيف يوسف !
وانقضت أيام الخطبة ... وأيام الملكة أيضا !... غداً هو يوم زفافي !... مجرد سويعات تفصلني عن هذا اليوم ... في ساعة متأخرة من الليل أتى أبى لزيارتنا .. استغربنا وجوده في هذه الساعة المتأخرة ... ولكنه أراد الجلوس والحديث معي
بدأ حديثه كيف التقى هو وأمي ... وكيف كانت حياتهما قبل أن ينفصلا .. وكيف كانت سعادتهما عندما انجبا فهد .. ثم لمى .. ثم قصة ولادتي ... تحدث عن سعادتهما الغامرة بكل ما كان حولهما ... ثم بدأ بسرد الخلافات التي حلت بينهم ...و كيف انتهت حياتهما الزوجية ... وبحديثه ذاك ... فجر بداخلي بركان كان قد خمد منذ عدة أسابيع !
تذكرت كيف كانت نهايتي مع يوسف ... سكبت العبر ...ضمني إلى صدره !... ومسح على شعري ... وبدأ بمواساتي
أبي ... لطالما ابتعدت عني .. أبي الذي لم أربى في حضنه .. أنقذني من زواج سوف أزج فيه ... أبي أنقذيني من نار سوف اهلك فيها ... أبى أريد الزواج بمن احب ... أبي اصلح الأمور بيننا .. أبي ساعدني ولو لمرة !... قف بجانبي... أشعرني بحنانك .. قدم لي هذا المعروف فقط ...وأنا سوف أنسى كل الجفاء الذي لقيناه منك ...
أبي أرجوك !...
صرخت في داخلي ! ... ليتني كنت أستطيع قول ذلك
بقيت في حضنه ابكي بحرقه ... حتى هدأت وخلدت إلى النوم في حضنه !... تركني وذهب !... كما تركني صغيره ابكي في حضن أمي وذهب ... للمرة الثانية تخلى عني وأنا في أشد الحاجة إليه
استيقظت صباحاً كنت لا أزال في غرفة استقبال الضيوف ... أتت لمى وبكل حماس .و.صرخت بي فرحه
_ يلا يا العـــــــــــــــــــروس !! ..... قومي ورانا يـوم طويــــــــــــــــل
سرت معها بكل تثاقل ... وابتدأ يومي الطويل الذي كاد أن لا ينتهي !...ذهبنا إلى قاعة الحفل .. اعددنا المكان ... بدا كل شيء بغاية الروعة !... أشرفنا على الخدمات .. السماعات .. الطاولات .. الأزهار . أين سنجلس أنا وعبد الله !....من سيستقبل المدعوين .. من سيضيفهم ...
اقترب الوقت !...أتت مزينة شعري .. تبعتها من ستضع لي مساحيق التجميل ... ارتديت فستاني .. والغريب أنى بدوت كالعروس !... ولكن في داخلي !.. لا فرحه ولا حزن .. لا حماس ولا تملل ... لم اكن أحس بشيء !...كنت اجلس انتظر موعد زفتي ... اجلس بكل لا مبالاة .. والمزينة تمطرني بعبارات الإعجاب
وفجاءة !...فتح باب الغرفة ... وقفت فيه فتاة تملئ عيناها الدموع !... صوت نحيبها هزَ قلبي قبل أذناي .. حملقت فيها وبكل دهشة !... إنها أخت يوسف .. نظرت إلي بكل الحقد ... حاولتُ النطق ولكن ليس هناك ما يقال .. قالت هي وعبرت
_ حرام عليك ... حسبي الله ونعم الوكيل فيك ...ليش تسوين كذا ليش !
نظرت إليها بكل دهشة !... ماذا تقولين !
_ لا تطالعني كذا لا تسوين نفسك المظلومة والبريئة ...لا تمثلين علي !...أنا أشوف اخوي يتعذب كل يوم وانتي قاعدة هنا مبسوطه ..
.أنا قال لي انه انفصلتو بس ما قال عن التفاصيل .... حسبت أن الشيء كان باختياره ... حسبت انه برضاه وبرضاك ... ما حبيت أحرجك واجي أكلمك بالموضوع .. كنت أحاول أتهرب من شوفتك بالجامعة عشان ما أحرجك وأحرجه ...
وأنا أشوف اخوي يتعذب وحالته تتدهور ... قلت يمكن انتي الغلطانة وانتي اللي ما تستاهلينه وان اللي صار في مصلحته ...حاولت أقنعه بكل غباء وأنا ما ادري عن اللي صار انه بيلقى غيرك اللي تقدره وتحبه .. ما كنت ادري عن اللي سويتيه فيه يلي ما تخافين ربك.....
سكتت لبرهة تلتقط أنفاسها ... وأنا لا زالت بين الاستيعاب واللا استيعاب .. ما الذي تقوله
_ جيته يوم وقلت له .. ترى فدوى انخطبت .. احسب إني بخبري هذا ابطفي ناره .. ابنسيه اياك .. بس زدت ناره نار وعذابه عذاب ... لا انتي اللي زدتيه مو أنا ..
من يومها وهو ما يحاكينا .. ولا يحتك فينا .. يبعد عنا بأي طريقه .. ينفرد بنفسه في غرفته ما ندري عنه ولا عن أحواله .
.و جا يوم وصعقنا بخبر سفره .. يبي يسافر ويترك البلد بسبتك !...
جاني اليوم قبل لا يروح المطار مسكني على جنب ووصاني .. أعطاني شريط بيدي ... وقالي هذا وصليه لفدوى ... عشان ترتاح ... ويمكن تسامحني ... أنا ما فهمت .. سألته .. فهمني علمني ... يمكن اقدر أسوى شيء ... قص اللي صار ...و حسيت بالنار تغلي في جلدي ...
وش ذنبه هو إذا واحد من أصدقاءه حقد عليه وسجل لكم هالمكالمه ... ما فكرتي تسالين نفسك أو تسألينه ؟ كيف جا لصديقه ذا الشريط ؟ ... ما تفكرين انتي ... ما عندك عقل ... تروحين وترمين بوجهه كل اللي بينكم ولا عاد تحاكيني ولا أعرفك ولا تعرفني ...
إذا انتي كنتي مستسهله اللي بينكم ترا اخوي ما كان ... كان يحبك يللي ما تستاهلين الحب !... حرام عليك والله حرام
خذي الشريط .. اللي فر مخك وخلاك تسوين اللي سويتيه .. خذيه يمكن يفيدك إذا جا يوم واستوعبتي انتي وش ضيعتي من ايدينيك خذيه .. والله لا يوفقك في زواجك .. كانك سبب عذاب اخوي
ألقت بالشريط في وجهي وخرجت وصفعت الباب بقوة !
جمدت في مكاني... أحاول استيعاب ما حدث .. المزينة تنظر اليَ باندهاش ... بدأت اسكب الدموع .. أوقفتني ...( بتخربين المكياج تمالكي أعصابك .. الحين الزفة !!) ... لم تكمل جملتها إلا وقد دخلت أمي تستعجلني .. وتهمني بالخروج ... رأت الدموع في عيني ظنت انه الخوف .. تلت بعض الآيات... وسُـحبت .. كما تساق النعاج ... وابتدأت أزف إلى موتي وقبري !
في كل خطوة من خطواتي كنت استوعب ما حدث ويزداد بكائي .. وتكثر دموعي ... أين أنت الآن يا يوسف .. إلى أي بلد تساق ؟ ... إلى أي عذاب تتجه ؟... والى أي جهنم أنا ذاهبة ؟
أكاد أن أقع أرضاً.. لا أستطيع تحمل كل هذه المشاعر .. لقد ظلمتك يا يوسف .. ظـُـلمت ولم تدافع عن نفسك .. احتراما لرغبتي ؟... أم حقداً على خيانتي لثقتي بك ؟... كيف لي أن صدقت بأنك كنت مخادعا؟... كيف لي أن انعت من احب بتلك الصفات ... كيف لي أن اجرح من أهوى بتلك الطريقة الموجعة ؟... كيف لي تصحيح ما حدث وما فعلت ... كيف لي التهرب من موت أساق إليه ؟ ... كيف وكيف وكيف !!... عشرات ومئات الاسئله تخبطت في رأسي ... كنت سأقدم على الهروب ولا كني تمالكت أعصابي
جلست على الكرسي ... أتت لمى هدأت من روعي ... وحثتني على الابتسام ... كيف لي أن ابتسم بعد أن كشفت لي الحقيقة ؟... دقائق وزف عبد الله .... يسير بكل وثوق وسعادة .. عيناه تسبقاه لهفة الي ... ليتني أستطيع أن أبادلك نفس الشعور ... قبل جبيني .. وجلس بجانبي وامسك بيدي بكل عذوبة ...و بارك لي بزواجنا
لحظتها .. اتخذت قراري .. منظر عبد الله يبتسم بكل سعادة حثني على ذلك ... لن أستطيع فعل أي شيء .. فيوسف ٌ قد سافر .. وأنا زوجت !... والثقة بيننا قد اغتيلت على يدي أحقر المخلوقات على الأرض !... ليتني أستطيع رؤية صديقه ذاك ولو لمرة واحده ... حتى أطفئ نار قهري فيه !!
انتهى يوم زفافي .. ذهبنا أنا وعبد الله إلى الفندق ... ذهبت إلى دورة المياه وأقفلت الباب .. وانهرت باكية !.. أتى هو وطرق الباب .. طالبا مني أن افتح له .. لبيت طلبه .. ضمني إلى صدره .. وبدأ بتهدئتي .. ألقى علي عبارات الاطمئنان ..معتقدا باني متوترة لوجدي معه وحدنا !... وأنا ابكي بحرقه !..
لا أنكر فضل عبد الله وجميله علي !... فتلك الليلة عاملني بكل رقه وعذوبة واحترام ... بل في كل أيام شهر العسل ... تحمل مزاجي العكر .. بكائي المفاجئ !.. وشرودي في اغلب المواقف !... بل بعد أن عدنا ملئ حياتي سعادة .. ابتدأت بنسيان يوسف ... ابتدأت بنسيان من احب ... بدأت احمل المشاعر تجاهه
بل أصبحت اعشقه ... محى يوسف من ذاكرتي ... وما أكد محوه قدوم ابني العزيز خالد بيننا !... ملئ حياتي سعادة وفرح ... ونسيت ما مررت به من تجربة !... نسيت من أحببت وعشقت .. عشت الحياة التي لطالما تمنيتها مع يوسف .. ولكن عشتها مع عبد الله !..
مرت الأيام ! وها أنا الآن في هذا المجمع التجاري !... أرى وجه يوسف بعد ست سنوات !!!
عـــــــــــــــــــدت إلى ارض الواقع من جديد !
بعد أن مر شريط قصتي مع يوسف سريعاً بسرعة البرق !... بعد أن مرت تجربتي ومأساتي معه !... هاهو الآن يتجه نحوي بخطوات متثاقلة .. بعينان ذابلتان !...بقلب متقطع ...سار نحوي وأنا أحاول قدر المستطاع ألا تلتقي عيناي بعيناه !... سار تجاهي دون مبالاة .. وقف أمامي .. يكاد يلتصق بوجهي ... تأمل في قليلا ... ثم جثي على ركبتيه .. حتى أصبح بمستوى عربة ابني .. نظر إليه بكل أسى .. ابتسم ابتسامه ملئت عيناه بالدموع داعبه قليلا .. ثم قبله .. وهمس بكل حزن
_ الله يخليك لأمك ..... !
تلك الكلمات طعنت في صدري الخناجر والسكاكين ... أعادت إلي مشاعر الماضي الأليم ... أعادت إلي الوعي من جديد .. لقد كنت مبلده طوال تلك السنين ... آه يا يوسف أين أنت ؟ ... لماذا تخليت عني ولم تكافح لأجلي ؟... لماذا لم تصمد في وجه من حاول التفريق بيننا ... لماذا لم تبرر لي ما حصل .. لماذا .. اجبني لماذا ؟
وقف من مكانه يهم بالمسير .. نظر إلي ثم اكمل طريقه ...وما كاد أن يتعداني حتى قمت أنا و بكل لا إرادة .. وبلا أي وعي ... قمت بنزع خاتم زواجي من يدي .. وبكل قوة أمسكت بيده !.. ضاربة بعرض الحائط كل التقاليد .. كل المعتقدات .. عقد الزواج والوفاء الذي بيني وبين زوجي .. احترامي لنفسي كأم صالحه .. وزوجه مخلصه ...
جميع هذه المبادئ والتقاليد أزحتها عن فكري بلا أي مبالاة .... لم أرد لأي شيء أن يشاركني يداه في تلك اللحظة !.. وان كانت قطعة من الذهب تخص عبد الله !...
وقفت أنا وهو .. كتفي ملتصق بكتفه ... لم استطع رؤية تعابير وجهه فقد كنا متناظران .. كلٌ منا ينظر إلي الطرف المعاكس للآخر...لم يستطع رؤية الدموع في عيناي ... امسك بيدي بكل قوة .. وهمس بكل العذاب والحرقه
_ انتي الأولي بقلبي .. وما قبلك أحد.... والأخيرة ..........
وما بعدك أحد