[ 4 ]
... إخلاصك في رمضان ...
تجريد نيتك لله ، وتوحيد وجهتك إلى الله ، لتحقيق عبوديتك له ، ابتغاءً لمرضاته وإرادة لثوابه - عز وجل -
كلها معانٍ تدل على الإخلاص المشترط في الأعمال ، فالإخلاص كلمة عظيمة ومعنىً كبير لا يُقبل العمل دونه ،
بل يشترط في كل عمل أن يكون قائماً على الإخلاص والإتباع ،
فقد قال تعالى : " الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور " ، قال الفضيل بن عياض في معنى " أحسن عملا " : ( أخلصه وأصوبه ، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً ..... ) والخالص إذا كان لله عز وجل ، والصواب إذا كان على السنة .
فلا بد من توجيه إرادتنا في العمل نحو الإخلاص لله تعالى بنية التقرب إليه واحتساب الأجر عليه ، فإرادة الله والدار الآخرة ، هي أجلُّ أعمال القلوب ، كما أن إرادة غير الله - من دناءات الدنيا الدانية - هي أقبح أعمال القلوب ،
قال تعالى : " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب "
وقال – عز من قائل - : " ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا "
وقال : " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهو فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون "
إن هذه الآيات وأمثالها ، تدل على أن الأصل في كل عمل هو تلك الإرادة أو النية ، حيث تحسب الأعمال بها وتنصب الموازين لأجلها ، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر المشهور : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
إن العمل مهما كان قليلا ، فإن الإنسان يجازى به ويضاعف أجره عليه بإخلاص النية كما قال عليه الصلاة والسلام : " إنك لن تنفق نفقة تبغي بها وجه الله إلا أُثِبت عليها ، حتى اللقمة تجعلها في فيّ امرأتك "
وأما الأعمال الكبيرة فإن النوايا أيضاً هي التي ترفعها إلى عالي الدرجات أو تنزل بها إلى سافل الدركات ،
فقد يكون العمل عظيماً ولكن ترك الإخلاص وتجافيه يجعل هلكة الإنسان فيه
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول من يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد ، فأُتي به ، فعرّفه نعمه فعرفها ، قال فما علمت فيها ، قال : قاتلت فيك حتى استشهد ، قال كذبتَ ، وكلنك قاتلت ليقال جريء ، فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، ، فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ، قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم ، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ ، فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله ، فأُتي بع ، فعرّفه نعمه فعرها ، قال : فما عملت فيها ، قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ولكنك أنفقت ليقال هو جواد ، فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ".
لا تظن - أخي الصائم - أخي القائم - أن الإخلاص أمره هين ، فإن معول الأعمال عليه ، ومصائر العباد راجعة إليه ، فمن عالج النية نجا ، ومن تعجلها لدنياه هلك ، قال سهل التستري : ( ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص ، لأن النفس ليس لها فيها نصيب ) ، وقال يوسف بن الحسين الرازي : ( أعز شيء في الدنيا الإخلاص ، وكم اجتهدت في إسقاط الرياء عن قلبي ، وكأنه ينبت فيه على لون آخر )
وكان من دعاء مطرِّف بن عبد الله : ( اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ، ثم عدت فيه ، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم لم أفِ به ، وأستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك ، فخالط قلبي منه ما قد علمت ) .
وقال سفيان الثوري : ( ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي ، لأنها تتقلب علي ) . وقال يوسف بن أسباط : ( تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد ).
لقد كانوا يكابدون قلوبهم في القليل والكثير ، مخافة أن يذهب عد الإخلاص بالقليل والكثير.
لا تتعجب من هذه اليقظة ، فقد عرف القوم أن استحضار روح الإخلاص لله في العمل يضاعف الأجر ، وقد كانوا أحرص ما يكونون على هذا الاستثمار لزيادة الأجور ، قال يحيى بن كثير : ( تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل ) ، وقال داود الطائي : ( رأيت الخير كله يجمعه حسن النية ، وكفاك به خيراً وإن لم تنْصَب ) ، وقال ابن المبارك : ( رب عمل صغير تعظمه النية ، ورب عمل كبير تصغره النية ).
قبول أعمالك كلها في رمضان وفي غير رمضان لن يكون الجزاء فيه إلا على قدر النية والاحتساب ، وهما عين الإخلاص فالصيام والقيام وإحياء ليلة القدر وتلاوة القرآن وغير ذلك من أمر الدين ، يشترط فيه هذا الإخلاص وذلك الاحتساب ، " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " ،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام رمضان : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " .
وقال : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " .
وقال : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "
ومعنى ( إيمانا ) : اعتقاداً بأن ذلك التكليف حق ، و ( احتساباً ) : أي طلباً للثواب عليه من الله لا يقصد رؤية الناس، ومن رجا الثواب من الله وحده جادت نفسه وطابت بفعل الطاعة .
فاحرص أخي الصائم على حراسة عبادتك وطاعتك ونقها من الرياء والعُجب ومراقبة الخلق ، فكل ما لا يراد به وجه الله عز وجل يضمحل ، كما قال الربيع بن خثيم .
يقول ابن الجوزي – رحمه الله - : ( انظر يا مسكين ... إذا قطعت نهارك بالعطش والجوع ، وأحييت ليلك بطول السجود والركوع ، إنك فيما تظن صائم ...!! وأنت في جهالتك جازم ... أين أنت من التواضع والخضوع ، أين أنت من الذلة لمولاك والخضوع ، أتحسب أنك عند الله من أهل الصيام الفائزين في شهر رمضان ؟! كلا والله حتى تخلص النية وتجردها ، وتطهر الطوية وتجودها ، وتجتنب الأعمال الدنية ولا ترِدها )
** (( اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة ، واجعلها لك خالصة ، وأعنا على صيام شهرنا إيمانا واحتسابا .... آآآمين )) **
تقبلوا تحيتي
أختكم...$%$-الفتاكه-$%$