عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-06, 04:58 pm   رقم المشاركة : 8
حنيش الملز
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية حنيش الملز





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : حنيش الملز غير متواجد حالياً

حماية الحوار من أعداء الحوار

عبدالله المطيري*
من المتوقع جدا أن ينجر الحوار في السعودية إلى شجار وعنف إن لم تتوفر له الحماية. الشواهد على هذا كثيرة لعل آخرها ما جرى في المحاضرة المهمة عن أزمة الثقافة العربية المعاصرة التي نظمتها يوم الأحد الماضي مشكورة كلية اليمامة واستضافت فيها نخبة من أهم المفكرين العرب اليوم الدكتور عبدالله الغذامي والدكتور صلاح فضل والدكتور معجب الزهراني والدكتور سعيد محارب. يعتبر ما حدث في المحاضرة وبعدها خطراً حقيقياً على مشروع الحوار السعودي الذي هو جزء من مشروع الإصلاح الكبير. لا نتحدث هنا عن خلاف في الأفكار نتحدث عن أن الدكتور عبدالله الغذامي كان قاب قوسين أو أدنى من أن يعتدى عليه بالضرب لولا حماية اللجنة المنظمة.
لم يكن هذا التصرف مستغربا ولا مفاجئا بل أرى أنه طبيعي جدا ومتوقع في أي حوار ينطلق من مبدأ حرية الرأي والتفكير. السبب يكمن في أن هناك فئة من هذا المجتمع لا تؤمن بالحوار ولا بأحقية الرأي الآخر بالحديث وبالتالي فهي لا يمكن أن تفوت فرصة دون أن تمارس إرهابها الفكري على من يخالفها.
أتذكر هنا المحاضرة التي أقيمت العام الماضي في معرض الرياض الدولي للكتاب للدكتور الغذامي والدكتور أحمد الربعي والأستاذ محمد الرميحي عن الإصلاح وكيف مرّت الأمور فيها بسلام، أي دون أن يتعرض أي من الأطراف للتهديد أو الخطر. الفرق بين الحالتين وجود الحماية الأمنية، التي لا تتدخل في الأفكار والآراء بقدر ما تحمي الحد الأدنى من الشروط الطبيعية ليتحاور طرفان دون أن يشعر أحد منهما بالخطر على نفسه قبل أي شيء آخر.
كان صف الجنود في محاضرة معرض الكتاب هو ضابط الإيقاع الذي حافظ على المحاضرة والحوار الذي أخذ كل طرف فيه حق الحديث وإبداء وجهة نظره أيا كانت هذه الوجهة. ولما غاب هذا الضبط في محاضرة اليمامة انجرّت الأوضاع إلى مستوى خطر لا يمكن السماح به أبدا.
لا يفترض أن تأخذنا الأحلام بعيدا بل لا بد أن نتذكر جيدا ونعي جيدا أن هناك فئة في المجتمع لا تمثل إلا ذاتها لو أمنت العقوبة لسحقت بكل عنف كل من يخالفها في الطرح والتفكير. أتحدث هنا عن التصفية الجسدية والضرب وباقي أشكال الاعتداءات. هذه الفئة لن تعجز عن إيجاد مبرر لأعمالها السابقة على وزن "ضحوا فإني مضح بالجعد بن درهم".
هل نقول هنا إنه بسبب هذا الخطر يجب إيقاف هذه النشاطات الثقافية الهامة. من باب سد الذرائع واتقاء الخطر ؟ هذا هو بالضبط ما تبحث عنه هذه الفئة بالتحديد. وهذا هو أحد أهداف إثارة الغوغاء في مثل هذه النشاطات. وهذه هي الغلطة التي ارتكبناها سابقا وكان من نتائجها تطور هذا السلوك العنفي ليطال المجتمع والوطن بمقدراته بأعمال نعلم يقينا الآن مدى ألمها وتأثيرها.
إذن الحل ليس الاستجابة لهذه التصرفات بل الحل هو الاستمرار وبقدر الاستطاعة لتكثيف هذه المناشط على شرط أن تتوفر في كل واحد منها حماية أمنية مشددة توجه رسالة إلى كل من يفكر في أن يعتدي على الآخرين أن هناك سلطة ورقابة هدفها تثبيت الأمن وحماية أفراد المجتمع جميعهم من أي طرف يريد أن يوقع بهم الأذى.
لا تعتبر مثل هذه الأحداث خارج السياق حين ننظر بعين الواقع حال مجتمعنا. الحوار أمر طارئ علينا ومشروع عظيم ما زلنا في خطواته الأولى، مازلنا نتعلم الحوار يوما بعد يوم وما تزال أفكار محاربة الحوار ومحاولة منعه أشد رسوخا وأقرب إلى النفوس ومن السهل جدا استثارتها وإشعالها.
هذه مرحلة تاريخية في عمر هذا الوطن لا بد أن نمر بها وهذا هو قدر الأجيال المعاصرة. فمحاولات النهوض والتنوير والتطوير لا يمكن أن يسار في طريقها دون عقبات ودون ضريبة يجب أن يدفعها الجيل المعاصر لهذه المحاولات. ولو تأملنا مشاريع التنوير والنهوض التي مرت فيها الكثير من الأمم لفهمنا أن هذا خط يجب أن نمشي فيه ولا يمكن أن نقفز عليه. الأجسام التي تسبب المرض في الجسد ستقاوم العلاج بكل ما تملك من قوّة ولو استطاعت أن تقضي عليه لما تأخرت لحظة واحدة.
الوعي بهذه القضية يجعل الدافعية للعمل والإصلاح والتغيير تتجدد باستمرار وتنتقل من جيل إلى جيل وتقاوم أفكار اليأس والقنوط التي هي أخطر ما يمكن أن تمر به أمة من الأمم. أن ييأس الفاعلون فيها من إمكانية الإصلاح والتغيير والتنوير.
مهمة المفكرين اليوم ليست بالمهمة السهلة ولا بالمستحيلة في نفس الوقت. الصعوبة تكمن في أن أغلب المواجهات ليست من قبيل المواجهة بين الأفكار عن طريق الجدل والحوار ولكنها تكمن حين تواجه أشخاصاً يريدون أن يمنعوك من الكلام ومن التعبير بشتى الحجج والوسائل. هذه مشكلة عويصة حين يكون هدف من يقابلك فيما يفترض أنه حوار أن يمنعك من الكلام ويحجبك عن الناس. هنا تكون المهمة صعبة وتحتاج إلى وعي بالواقع وإلى معرفة بتحولات المجتمع وتغيراته. أما ما يجعل المهمة غير مستحيلة وممكنة فهم أجيال الشباب الذين يزدادون يوما بعد يوم وهم يتوقون إلى الانعتاق من التخلف والقمع والتسلط.
هذه الأجيال تحتاج من الفاعلين في المجتمع لإصلاحه والنهوض به أن يأخذوهم بعين الاعتبار خصوصا في الجانب المعرفي الذي هو وحده القادر على إخراج الفرد من ظلامه وتمكينه من تلمس طريقه بشكل حر ومتوازن. الخطاب المعرفي هذا هو مهمة النخب الثقافية ودورها الأول وهو الثروة الحقيقية التي يمكن أن يقدمها المثقف إلى وطنه ومجتمعه متحملا في سبيل ذلك ضريبة لا يمكن له الهروب منها إلا بالهروب من مهمته الحقيقية.
الحوار مكسب عظيم لهذا الوطن تجب حمايته ورعايته ممن يريدون قتله في مهده. هم يعلمون يقينا أن الحوار الحر هو أكبر خطر عليهم فهو وحده القادر على كشف حقائق الخطابات والأفكار. تأتي مهمة حماية النشاطات الثقافية اليوم برجال الأمن وبقوة سلطة الدولة مهمة لازمة وضرورية فليس من المقبول أن يبقى مثقفو البلد وقادة الفكر فيه عرضة لمن أراد أن يعتدي عليهم ويؤذيهم بكل صفاقة ووقاحة، هذا فعل مشين وغير مقبول وإن لم يوضع له حل حازم فإن مشروعنا الحواري الوليد سيبقى في خطر.







التوقيع

عسى مزنة من عصر تكشف بواريقه
عليها يحيل الطير من قو بارقها
تحدر على نفد هوايا مشاريقه
جنوب الشعيب وشرقها الجال فارقها


دعوه لتصفح كافة مشاركاتي

رد مع اقتباس