يخطيء من يعتقد ان احدا من الناس الناضجين نظر اليه كـ ملاك...
الانسان في الاصل وعلى الدوام كائن تتنازعه اتجاهات متباينة .. بين الايمان والكفر... بين الحق والباطل.. بين الخير والشر بين الحزن والفرح ...بين الجنون والعقل بين (الهبال) و(الركادة).. بين الشح والسخاء ..
احيانا كثيرة تعترينا لحظات مجنونة نتخلى فيها عن الكثير من قيمنا المعتادة ونمارس فيها افعال نابعة من تأثير داخلي لا ندري ماهو...!احيانا نشعر برغبة ان لا نكون كما نكون في العادة.... ثم لانكون بصراحة ...
قد يعترينا بعض الندم ونشعر بأننا فقدنا كياننا المعنوي النبيل ... وبمرور الوقت تفرض قيمنا الاصيلة نفسها علينا مرة اخرى ...اقول الاصيلة أي الراسخة فينا بغض النظر عن سموها او انحطاطها ولكنها هي الاصيلة في بناءنا الذاتي ...اقول تفرض نفسها من جديد...
من اتعس الاشياء ان يحاصر الانسان نفسه في اطار من المثاليات يضع نفسه فيه ثم يتورط بأغلاله ... وان عقلاء العالم لايمكن ان يؤطروا الناس من حولهم بهذا الاطار لأنهم يدركون يقينا ان هذا انسان ...انسان يعتريه كل شيء... وان النظرة السليمة للإنسان تقتضي عدم حصره في اطار تخيلي كاذب.....
شخصيا اعترف بأني لم انضم في حياتي الى اي تجمع صحوي او مايسمى الحلقات !!!وإن كنت قريبا جدا من الوسط الصحوي وتفاعلت بشكل كبير مع الكثير من محطات الصحوة وكنت من اكثر المدافعين عن المناخ الصحوي في اوساط الشباب....
لقد كان الكثير من الرفاق ينخرط في المجاميع الصحوية تلك الايام وكنت شبه الوحيد الذي لا ينظم .... والسبب اني كنت اعرف مناخ المثالية الكاذبة احيانا التي يضع الكثير من الاخوة انفسهم فيها ثم يتورطون بها !!ويشعرون بثقل اعبائها عندما يرغبون في ممارسة ذواتهم في جوانبها الاخرى...
قد يبدو كلامي غريبا ولكني استطيع منطقته والدفاع عنه....
كان المناخ الحلقي مناخا مثاليا مبالغا فيه للاسف الشديد... ينظر فيه الى الاعضاء نظرة ملائكية تقتضي منهم ان لا يخطئوا ابدا....
اذكر احد الاخوة قال لي ان داخلا دخل فقال السلام عليكم ..فقلت اهلا بفلان ...!! فضج الجمع وكأنهم رؤا منكرا وقالوا له: قل وعليكم السلام ورحمة الله يا أخي ولا تقل اهلا !!! قالوها بالكثير من السخط والنقد الجارح !!
طيب طيب على ماذا كل هذا؟؟؟
هل تعتقدون انكم عندما تمارسون هذه الحدود الحمراء الكثيرة في التعامل التي لا تترك كل صغيرة وكبيرة الا احصتها هل تعتقدون ان المرء من الممكن ان يشعر بالارتياح بينكم....
قال لي احد رفاقي تلك الايام ان اعضاء الحلقة يضغطون عليه كثيرا فيما يتعلق بالتفاعل مع الرحلات والجلسات بشكل مبالغ فيه وعندما يرغب بالاعتذار والتحرر من ذلك المناخ الرسمي الترقبي يلحون عليه بعبارات ممجوجة من قبيل : يا اخي هؤلاء اخوانك وهذي الحلقة لا ينبغي ان تتخلى عنهم في هذه الرحلة او هذه الجلسة !!! وعندما اتحجج بحضور مناسبة عائلية او مرافقة الاهل او اصدقاء آخرين يحتجون عليه بالقول أن مناسبتكم الاجتماعية لن تتأثر بغيابك او حضورك ولكننا في الحلقة سوف نفتقدك لاننا نحبك في الله يا اخي!!!...... عجبا ماهذا المسخ للهوية والكيان الخاص المستقل !!وماهذا الاستخفاف بالخصوصية؟؟؟
الكثير من الضغط الممجوج الرهيب الذي يؤدي الى الرغبة في الخلاص من هذه البيئة الغير واقعية...
اتذكر جيدا الكثير من هذه الحالات ...
ولأن التدين والمناخ الفكري لم يكن طارئا في حياتي الخاصة بل هو قديم قِدم اظفاري فلم يكن مناخ الحلقات يستهويني بسبب مثاليته المفرطة الغير واقعية الغير متماشية مع النزعات الانسانية الحرة داخل اطار اخلاقي سليم...
كان مجتمع الحلقات يرفض تشجيع النوادي وحظور مباريات الكرة !! ولن احرم نفسي هذه المتعة ابان تلك امرحلة من عمري...
كنت اذهب الى الاستاد الرياضي والاحظ الكثير من اعضاء الحلقات(متلطمين) لأنهم حبسوا انفسهم ونزعاتهم وضطروا (للتلطم ))عندما ارادوا ممارسة ذواتهم!!
لم اتلطم يوما!!! لأني لم اقيد نفسي!!
كان شريط اغاني صباح وفيروز في نفس الدرج في سيارتي الذي فيه محاظرات سلمان العودة وقراءات علي الحذيفي...
كنت اضع شريط علي الحذيفي في المسجل عن قناعة تامة نابعة من الذات وليست نابعة من ممارسة دور احيانا ارغبه واحيانا لا ارغبة فأضطر لمارسته قسرا....كنت امارس تديني بطاقة الدفع الذاتي التي تنضب احيانا وليس بطاقة المحرك الخارجي الذي يجعلني كالممثل...
كان والدي رحمه الله يعلمنا القرآن والتجويد كأحسن معلم ... لم نخسر تحسين قراءتنا عندما خسرنا الحلقات... كان ابي فقيها وخطيبا وخبيرا بقراءة القرآن وكنت اعرف المد وحركاته والغنة والادغام والقلقلة ولذلك فلم اخسر شيئا عندما لم انضم الى الحلقة....
انضم اخ لي يكبرني بجماعة التربية الاسلامية في المدرسة ثم ضموه الى حلقة... لا انسى حالته النفسية التي كانت تتدهور عندما يقف احدهم بالباب زائرا او ينتظره للركوب...__اقصروا التلفزيون...اقصروا صوتكم..<<<<كان مضطر يقول لهم ماعندنا تلفزيون بالبيت حتى لا يبدوا امامهم (فاسق).!!!
كان تمر عليه حالة طواريء لا يعلم بها الا الله...والسبب انه قيل له ذات كذبة... انت ملاك !!!!
لا لا انت لست ملاك انت انسان جبلت على الخير والشر تنازعك نفسك في كل اتجاه....والعاقل المرحوم من جنبه الله طريق السوء....
كنت اشعر اني لايمكن ان اجد ذاتي في مناخ الحلقة .. ولذلك... لم انضم....لم اكذب...و لن اكذب انا هكذا
شكرا ابعاد لهذه الفرصة
الكثير من الاشياء يمكن للمرء ان يقولها في هذا المقام