أشكر القائمين على منتدى الوسطية - وعلى رأسهم أستاذنا العواجي - لاستضافتهم الشيخ عبدالعزيز القاسم. 
شيخي الفاضل, 
س- ما هو إنطباعك عن حركة الإخوان المسلمين؟ وألا ترى أنها لو تغلغلت بشكل أعمق في مجتمعنا لساهمت في إصلاح الكثير من عيوبه. 
بارك الله فيكم. 
ج- أخي العزيز حركة الإخوان هي محرك العودة للهوية و أداة تهدئة الاكتساح الليبرالي المتطرف الساذج كما ثبت لاحقا في الثلث الأول من القرن الماضي ، و لا يجحد فضلها إلا مكابر بيد أن هذا لا يعني تجاهل أزماتها و على رأسها نظام الحكم المستبد فيها فقد تحولت إلى مشيخة تشبه مشيخات الدول و الإمارات ، و من مصادر أزماتها مركزية الترخيص للجماعة حتى ترتب على ذلك إيجاد حالة من الإنتماء المنفصل بين أفراد الجماعة و مؤسسات المجتمع فليست العلاقة علاقة مفاصلة و لا هي علاقة مشاركة في البناء فتحول الوجود الفردي إلى وجود متردد بين مشروعين و ترتب على ذلك إعاقة هائلة في فاعلية الإنسان و في آفاق مشروعاته و لهذا تركز غالب هذا الطيف على العمل الذي يحقق مزيدا من العمق الاجتماعي أكثر من التغيير العام المنتمي للمؤسسات الاجتماعية ، و هذا ثمرة تردد شرعية حضور الجماعة و لاشك أن المسئولية تقع على عواتق الدول التي حرمت الناس من التجمع في مؤسسات أهلية فعالة فتحول الناس إلى الانتماءات الفرعية . و في ظني أن الحركة ليس لديها ما تقدمه للفكر في المملكة أكثر مما قدمته في العقود الماضية ، و ما نحتاجه حقا هو فكر العمل والبناء الدنيوي المتوائم مع الشريعة الفكر القادر على الانتماء إلى المجتمع و مؤسساته بما فيها الدولة ، و من خلال هذا الانتماء الناصع يتم العمل بجد و دأب على الإصلاح آخذين في الاعتبار معضلة الممكن من جهة و التأثير من جهة أخرى و وسائل ذلك عظيمة و فعالة فلنأخذ مثلا وسائل تجميع الناس في مؤسسات مصلحية و مهنية كانقابات و جماعات المصالح مثل المصدرين و المزارعين .. لو وجدت هذه المؤسسات لاستطاعت أن تنتشل سياسات الدولة المتحجرة بسبب الروتين و عدم المحاسبة و المراجعة لتضعها في مصاف الفكر العالمي تأثيرا و دقة و فاعلية ، و مثل هذه المؤسسات لا تعتبر من الكبائر السياسية و هو من أفضل وسائل تغيير البنى التحتية فكرا و مهارات و ممارسة و أخلاقا ، لكننا اشتغلنا فترة طويلة بأفكار غيرنا فالشاب الحدث يردد أخي أنت حر و راء السدود و هو إمام مسجد يعانقه المصلون و الجمهور صباح مساء فتأزمت نفسته في غير مبرر حتى المواجهات التي تمت مثل أحداث 1400هـ لا يمكن اعتبارها تكرارا لحادث المنشية و تداعياته أو أحداث الستينات فضلا عن أحداث حماة و غيرها و رغم ذلك فقد ترك كل ذلك بصماته على البنية النفسية لثقافتنا ، و لا شك أن مشروع التحديث و خطط التنمية تتحمل جزء مهما من مسئولية هذا المناخ النفسي و لكن ا لأمور تتحول بشكل واضح فلنثق في قدرتنا على صياغة ما يصلح لنا . مع تواصل النقد و المراجعة فهي ضرورية للبناء و هي قبل ذلك فريضة شرعية علينا أن نصدع بها و على أنفسنا أن تتوطن على قبولها . 
و تقبل سلامي و تقديري و السلام .
الأستاذ عبد العزيز 
كنت ممن تبنى مشروع مذكرة النصيحة التي أنظر إليها كبادرة معارضة سياسة صحية و دفعت ثمن تلك المبادرة و اقتربت كثيرا من رموز التيار الاسلامي (أو أصنامه إن أردت) و رغم خذلان معظم أولئك الرموز لكثير من أبجديات المشروع عدت لتكرر المأساة و أنت الخبير عن طريق بيان المثقفين الذي ارتد في النهاية عليك و على أمثالك من الشرفاء الفرق هنا أنه تم بانتهازية فجة استدراج بعض من لا يصنفون كاسلاميين ثم التخلي عنهم في نهاية المطاف عن طريق استصدار بيانات التوبة و صكوك الغفران ، سؤالي بصراحة متناهية
س- هل لا تزال تأمل في أولئك الرموز رغم تواضع قدراتهم و تهافت مشاريعهم بل و انتهازية بعضهم؟ شكرا لك و للوسطية
ج- أخي الفاضل جوابي بالتأكيد نعم آمل في الإخوة العلماء الذين أشرت إليهم كل خير و معيار التصحيح يختلف من شخص إلى آخر نوعا و زمانا و أسلوبا ، و ما أشرت إليه من استصدار الغفران كان مؤلما خاصة في صياغته التي صدر بها ، و فيه ما يخالف أصولا فالبيان التوضيحي مثلا حصر تكريم الإنسان الكافر في الإرادة الإلهية الكونية ، بمعنى أن الله أكرم الإنسان الكافر إكراما لا يمس التشريع أي لا تكليف للإنسان فيه بل يتعلق بأفعال الله و تدبيره للكون ، ولا شك مطلقا في أن هذا التأويل مخالف لنصوص شرعية كثيرة و هو تحريف لمعنى الآية بغير دليل ، فالتكريم الشرعي قد وردت به نصوص كثيرة منها توجيه خطاب الدعوة إليه توجيها رفيقا ، و منها تحريم سفك دمه معاهدا و مستأمنا و هذا بالإجماع و تحريم دمه ما لم يستوجب القتال بسبب سوى الكفر و خالف في هذا الشافعي فجعل الكفر سببا للقتل ، و قد ناقش العلماء هذا القول و من ذلك ما قرره ابن تيمية و غيره ، و من تكريمه الوقوف لجنازة الكافر كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم ، و منها تحريم المثلة به ، و هذه كلها تندرج في التكريم الشرعي بل إن آية التكريم في سورة الإسراء قرنته بأدوات مادية يستوي في استخدامها المسلم و الكافر و هي الحمل في البر و البحر ، والأصل في ذلك تحليل معنى التكريم و استقراء تطبيقاته في النصوص لتحديد المعنى الدقيق المقصود بدلا من افتراض التطابق بين التكريم و إقرار الكفر ثم نفي التكريم بمجرد الافتراض الذي لا دليل عليه ، هذا نموذج واحد لما في البيان من صياغة غير محررة ، و لكن المدخل الأكثر التوضيحي هو وضعه في سياق مراعاة الحاجة إلى اجتماع الكلمة على الحد الأدنى و تقدير هذه الأمور الشائكة فيه فسحة للاجتهاد و الاختلاف ، و قد توافقني أن ما يهمنا في الأساس هو صدور الموقف الأساسي باعتباره هو المعبر عن القناعة ، أما صياغة البيان فقد كانت عملا توفيقيا بدليل التدافع في مناقشات صياغته و التفاوض الذي استمر أياما . أما ما وصفته بتواضع القدرات و الانتهازية فأنا أخالفك الرأي فالقدرات عظيمة و قد ظهرت في قضايا سابقة ، و أعظم رصيد لهم هو الثقة فيهم و إطلاعهم الشرعي و حملهم للقضايا العامة ، و لماذا نعتبر بعض المواقف انتهازية ، نعم قد توجد هذه الخصلة في مواقف معينة لكن العدل يقتضي وزن العمل في سياقه بدلا من تجزئته و الحكم من خلال بعضه ، و من ناحية أخرى فإن خطاب الدعوة لم يعتد النقد الإيجابي فالناس مع الدعاة إما مندفع في التعظيم و التعصيم – إذا صح التعبير – أو مبالغ في التهوين و الإلغاء ، و لو تطور لدينا معشر الدعاة و المثقفين خطاب نقد منصف و إيجابي أي خطاب نقد من أجل البناء بعيدا عن التهوين أو التهويل لأدى هذا الخطاب النقدي إلى بناء مؤسسة رقابة ثقافية دعوية تردع نوازع النفس الميالة نحو شهواتها و لأدى ذلك إلى ترقية للخطاب الثقافي و تراكمه و إثرائه . و هذا أمل ننتظره جميعا من منابر النقد و المراجعة . أما إن ذهبنا نجمل الأحكام و نتجاهل الحسنات و القدرات فسنذهب نقطع أوصالنا بأيدينا ، و هذا عينا هو الذي أوقعنا في كثير من المهالك فلو يذهب الإخوان مع الملك عبد العزيز إلى النهاية لكان مؤتمر الرياض مؤتمرات وطنية و لكانت الشورى مؤسسة حقيقية ، و لو كان صاحب الرأي من العلماء يعطى حقه و يؤخذ منه الذي عليه لما تغولت المؤسسة الدينية إلى الحد الذي يحمل الناس على فتوى رجل واحد ناسفا بذلك فقه الصحابة و الأمة ، و لو كان خطاب النهضة مفتوحا للجميع لما تشرذمت فئات المجتمع بين تحديث و حراسة هوية و هكذا في المجالات الأخرى . 
و تقبل دوما تحياتي و تقديري لمبادراتك النقدية الصادقة .