مع مرور الوقت بدأت أعتقد أن العرب في حالة تَنافر فِطري مع العِلم و التحضّر ... و قادني إلى هذا الاعتقاد أسباب عديدة أهمها :
أولا : خلال سنوات التدريس كنت ألاحظ – بشكل عام طبعا - أن أبناء الأُسَر التي تعود إلى أصول غير عربية هم الطلاب الأذكى و الأكثر تهذيبا .
ثانيا : أنني ألاحظ أن المجتمعات العربية تسجل في تخلفها تميزا فريدا عن غيرها ، و تخلفها لا يتوقف عند الأمور الصناعية المادية و لكنه ينسحب كذلك على الأخلاق و الحس الإنساني .
و الملفت أن هذا التخلف ليس وليد عصرنا الحاضر فقط ، و لكن ظواهره بادية حتى في عصورنا الذهبية ... حين كان غير العرب هم الذين يقودون ركاب الحضارة العربية الإسلامية ، و لم يكن لنا من مساهمة فاعلة حينها إلاّ في الغَلبة على الشعوب الإسلامية بالسيف و القرآن ( حتى اللغة العربية كان أبرز شعرائها و علمائها من غير العرب ... فأشهر كتابٍ نحويّ صاحبه سيبويه الفارسي ، و أحد أشهر معاجمنا جَمعَه ابن منظور و قال في مقدمته : أيها العرب خذوا لغتكم من أعجمي ) .
ثالثا : أنني مررت بآثار قديمة تُـفصح عن هذا الرأي تلميحا أو تصريحا ، فــيُــروَى أن الطبيب العربي القديم الكِـنْدي اشتكى من انصراف الناس عنه لأن اسمه يوحي بأنه عربي ، بينما لو كان اسمه يوحي بأنه من أصل غير عربي ( كـالنيسابوري ) لازدحم الناس عنده ثقةً منهم بقدراته .
و أذكر أن خليفة أراد أن يزوّج ابنه فاستشار وزيره حول أيّ الأجناس يقترحها كي تكون من أحدها عروس ابنه ، فكان الوزير يقول له : إنْ زوّجتَـه حبشية فسيكون حفيدك كذا و كذا ، و إن زوّجته رومية فسيكون حفيدك كذا و كذا ...... فكان يَذكر مع كل عِرق بعض الصفات الإيجابية أو صفة إيجابية و أخرى سلبية ، و حين جاء للعِرق العربي قال : سيكون حفيدك حقودا حسودا !!! و هي و الله من أخص سماتنا ، ألم يقل حكيم العرب : ما خَلا جَسدٌ مِن حَسد ، و لكن الكريم يُخفيه ، و اللئيم يُبديه .
و أختم بحديث المستورد القرشي حين قال عند عمرو بن العاص سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :" تقوم الساعة والروم أكثرُ الناس ". فقال له عمرو : أَبْـصِرْ ما تقول . قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم . قال : لئن قلتَ ذلك إنّ فيهم لَـخِصالاً أربعاً : إنهم لأحلمُ الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبة ، و أوشكهم كرةً بعد فرّة ، و خيرهم لمسكينٍ و يتيم و ضعيف ، و خامسةٌ حسنة جميلة : و أمنعهم من ظلم الملوك ".
فلاشك أن عمرو بن العاص يرى أن الروم أفضل من العرب – على الأقل في الصفات الخمس التي ذكرها - .