ثانياً - الأدلة العقلية (الشهوة والهوى):
أتى الشيعة بأدلة أسموها عقلية([25]) وهي في حقيقتها خليط مركب من الشهوة والهوى يسير مع انحرافاتهم العقدية، وشهواتهم الشيطانية، ولعل أهم تلك الأدلة تتلخص بما يلي:
الإمام قائم مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - ولـه الولاية العامة في الدين والدنيا وساد مسده، فكما أن شرط العصمة في النبي اتفاقاً، فكذا في الإمام إلزاماً وبالجملة أن الأدلة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم دالة على عصمة الإمام، وهي انتفاء فائدة نصب الإمام أيضاً على تقدير عدم عصمته وللزوم التسلسل لو لم يكن الإمام معصوماً...
إن الأمر باتباعه أمر مطلق. فلو وقع معصية لزم أن يكون الله آمراً لنا بفعل المعصية، وهو قبيح عقلاً لا يفعله الحكيم تعالى، لأن الإمام حافظ للشرع وكل من كان حافظاً للشرع لابد من عصمته.
أن الخطأ من البشر ممكن، فإذا أردنا رفع الخطأ الممكن يجب أن نرجع إلى المجرد من الخطأ وهو المعصوم.
لو ثبتت عصمة الأمة، لما كانوا بحاجة إلى إمام، لأن الفكرة في وجوب وجود الإمام ترجع إلى صدور الخطأ عن المكلفين.
لو أن الأمة توجهت منزهة عن كل غرض وهوى للنفس لاختيار الإمام، فإن الخطأ إذا كان جائزاً على كل مرد، فقد جاز الخطأ على المجموع وبذلك تخطئ الأمة فلا تعطي المستحق وتختار غيره.
ولا شك أن هذه الأدلة التي سماها الشيعة بالأدلة العقلية من السهل جداً الرد عليها بما يلي:
الحقيقة أن هذه الأدلة الواهية قد أثارت على الشيعة موجة من النقد الممزوج بالاستخفاف والاستهجان، فأدلتهم واهية ولا تستند إلى عقل ولا نقل حتى قال ابن سلام عليه رحمة الله: (عاشرت الناس وكلمت أهل الكلام وكذا فما رأيت أوسخ وسخاً ولا أقذر قذراً ولا أضعف حجة ولا أحمق من الرافضة)([26]).
ذلك أن قولهم أن الإمام قائم مقام النبي وأن الإمام معصوم إلزاماً، فهذا القول لا يسانده دليل لا شرعي ولا عقلي ذلك أن النبي مؤيد بالوحي إذا أخطأ لا يقره على خطأه بل يصوبه، أما غير النبي فإن وقوع الخطأ وارد في حقه دون تصويب إلا من بطانته الصالحة إذا كان لـه تلك البطانة. ومن يعتقد أن الإمام مؤيد بالوحي فإنه يجعله نبياً وهذا كفر مخرج مـن الملة والعياذ بالله تعالى.
أما قولهم أن الإمام المعصوم يحمي الأمة من الوقوع بالخطأ فهذا القول أثبت التاريخ عدم صوابه، فمن يقرأ التاريخ يرى أن الشيعة أكثر الفرق الإسلامية تفرقاً وتشرذماً وخرقاً للإسلام وأصوله، دون أن تحميهم حجة عصمة أئمتهم بل تفرقوا إلى فرق كل واحدة تلعن أختها.
أما اعتقاد أهل السنة والجماعة القائم على كتاب الله وسنة رسول الله، فقد حمى الإسلام وبيضته - بفضل الله أولاً وبفضل تمسكهم بحبل الله وسنة رسوله وإجماع أمته، لاستحالة اجتماع الأمة الإسلامية على الخطأ وإن جاز خطأ بعض الأمة دون بعضها الآخر، فإن هذا لا يفيد تعميمه على المجموع، لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا يجمع الله هذه الأمة على ضلالة أبداً، ويد الله على الجماعة، فمن شذ شذ في النار)([27]).
وفي رواية الطبراني: (لن تجتمع أمتي على الضلالة أبداً، فعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة)([28]).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمتي لا تجتمع على الضلالة، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم)([29]).
وقد ناقش الإمام البغدادي الرافضة في بيعة الحسن لمعاوية رضي الله عنهما، فقال: (فإذا سئلوا عن بيعة الحسن لمعاوية لم يمكنهم أن يقولوا أنها كانت صواباً، لأن هذا القول يوجب تصحيح ولاية معاوية وهو عندهم ظالم كافر، ولم يمكنهم أن يقولوا أنها خطأ فيبطلوا عصمة الحسن)([30]).
وهكذا نرى أن البغدادي قد أبان أن ادعاء العصمة لأئمة الشيعة تفتقر إلى أي دليل شرعي صحيح أو عقلي قويم، بل أن أفعال وأقوال آل البيت تدل على خطئهم واعترافهم بذلك، وهذا بلا شك موافق لعقيدة أهل السنة والجماعة ومخالف لمذهب الرافضة في عصمة الأئمة.
([1]) مختار الصحاح، ج1/183.
([2]) التقريب لابن قتيبة، ج1/324.
([3]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ج3/264.
([4]) الشيعة في عقائدهم وأحكامهم، للكاظمي القزويني، ص 322.
([5]) السنة للخلال، ج3/497-498.
([6]) الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة، ص 50.
([7]) الحكومة الإسلامية،ن ص47.
([8]) الشيعة والتصحيح، د. موسى الموسوي، ص 82-83.
([9]) الاختصاص للشيخ المفيد، ص 307.
([10]) انظر تلخيص الشافي، ج 1/ قسم 2/253 - مجمع البيان للطبرسي، ج1/457.
([11]) انظر فتح القدير للشوكاني، ج1/137-138- تفسير القرطبي، ج2/108.
([12]) تفسير القرطبي، ج2/108.
([13]) مجمع البيان، ج2/182.
([14]) منهاج الكرامة لابن المطهر الحلي، ص147.
([15]) تفسير القرطبي، ج6/221.
([16]) مجمع البيان للطبرسي، ج1/50.
([17]) لسلن العرب، ج 6/94- مختار الصحاح، ج1/99. الغريب لابن قتيبة، ج2/105.
([18]) انظر مسائل خلافية حار فيها أهل السنة، علي آل حسن، ص 12و ما بعدها.
([19]) رواه البخاري في صحيحه، ج8/127.
([20]) صحيح مسلم، ج 2/1453.
([21]) منهاج السنة، ج 3/502. سنن البيهقي، ج10/208.
([22]) منهاج السنة، ج1/59.
([23]) رسالة في الرد على الرافضة لمحمد بن عبد الوهاب، ص 6-7.
([24]) منهاج السنة، ج 3/406- 407.
([25]) الصوارم المهرقة، في جواب الصواعق المحرقة، نور الله التستري، ص 50.نظرية الإمام، د. أحمد صبحي، ص 116-119.
([26]) السنة للخلال، ج3/499.
([27]) المستدرك على الصحيحين، ج2/200.حلية الأولياء، 3/37.
([28]) المعجم الكبير، ج12/447.
([29]) اعتقاد أهل السنة، ج1/105.
([30]) أصول الدين للبغدادي، ص78.