عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-06, 02:33 pm   رقم المشاركة : 1
روح التميمي
شاعــــــــر






معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : روح التميمي غير متواجد حالياً
القبيلي .. والخضيري!


أولا أنا مؤمن بحساسية الحديث في هذه القضية , ولدي يقين شبه تام بأن الأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن مناقشتها أكبر من نفعها ..!
هذا موضوع كبير .. وقد بدأ صغيرا بأيدي أفراد ثم تضخم حتى فقدت السيطرة عليه .. التصنيف العنصري والتمييزبين الناس وفق اللون أوالجماعة أوالعرق أوالدين .. هو تمييز ظالم ما أنزل بالله به من سلطان , قد يُستثنى الدين لأن هناك ضوابط شرعية تحكم المسألة .. أما بقية ألوان التمايز فاتجاهات أوجدتها نفوس شريرة ..
ونعود إلى مسألة القبيلي والخضيري .. إذ هناك من الطرفين (القبيلية والخضيرية) من يلوم على بقاء هذا النوع من التمييز , وسيرورة سلطانه في المجتمع وكأن المسألة تُحل بقرار ..!
لا أيها السادة .. نحن جميعا نؤمن بسوء هذا التمييز , وكلنا يرى صادقا أنه أضر بالعلاقات الاجتماعية بين الناس وسبب كثيرا من المشكلات , لكن هل نستطيع إزالته ؟
أظن جازما أن الجواب هو (لا), والسبب أن العقائد ـ والتمييز من هذا النوع صنف من الاعتقاد الدنيوي ـ لا تُغير بمجرد الإرادة , والناس ليسوا كلهم على قلب رجل واحد , خصوصا في المسائل الاجتماعية ! ثم إن هناك اشتباكات معقدة على أرض الواقع , فمسألة القبيلي والخضيري لا تظهر إلا في مسائل الزاواج , وهو مشكلة المشكلات .. فلو قرر فلان من الناس (قبيلي) أن يكسر هذا التصنيف لعدم إيمانه به , بأن يُزوج ابنته لشخص آخر (خضيري) , فهل يستطيع أن يقدم على ذلك بنفسه ؟ وهل ستكون تبعات إنفاذ قراره هذا عليه وحده ؟ .. الجواب على السؤالين هو بكل بساطة .. لا ! أقاربه سيعارضون , أصهاره سيعارضون .. ولهم الحق في المعارضة لأن مسألة كسر الحاجز ـ وللأسف ـ بين هاتين الطبقتين لا تنحصر آثارها عليه وحده , بل لها أثر على الجميع .. ومن يتصرف وحده بحق الجميع دون رضاهم مخطىء معتدٍ . والذي أعرفه أن الشرع ـ تبعا للعرف ـ لا يجيز الزواج بين الطبقتين , وسمعت أن سماحة الشيخ المرحوم / عبدالله بن حميد طيب الله ثراه , قد فكّ زواجا من هذا النوع , والسبب واضح جدا وهو عدم التكافؤ .. ليس لأن الخضيري أقل من القبيلي , بل لأن إتمام مثل هذا النوع من الزواج مضاره على الأفراد والمجتمع أكثر من مصالحه الخاصة بطرفي الزواج الرجل والمرأة !
المسألة أشد وأكبر مما يلوح في الأفق , والمشكلة القائمة فيها هي رأس جبل الجليد الذي يُخفي تحته أضعاف حجمه البادي !
من معضلات هذه القضية أنه إذا تزوج القبيلي من خضيرية خرج من القبيلية وصار خضيريا ولا عكس ..! هذه أحكام قُررت من سحيق الأيام ولا يلوح ولا حتى في الأحلام ما يزيلها !
والأمر المدهش الخارج عن نطاق المنطق أيضا أنه يمكن للقبيلي أن يتزوج أجنبية غير معروفة الأصول ولا مشكلة في ذلك !! لكن أن يتزوج من خضيرية من جماعته وجيرانه وأصدقائه ومعارفه وأقاربه بالرضاعة فتلك جريمة الجرائم !!
قوانين اجتماعية قررها السابقون واحترق بنيرانها اللاحقون .. وليست هذه هي المشكلة الوحيدة المخالفة للدين التي توقف الجميع حيال التصرف فيها وإيقافها وإن كانت الأبرز والأوعر .. هناك قوانين القبائل البدوية , ولعلها انحسرت لكنها موجودة , وكثير منها حسب علمي غير خاضع لسلطان الشرع , بل لسطان القبيلة ..!
ومما يؤسف له أن هناك من القبيلية من يحتقرون الخضيرية , ويُلصقون بهم ـ ظلما ـ كثيرا من الصفات السلبية , فأي خطأ من شخص يُجيّر فورا إلى طبقته .. وكأن مكارم الأخلاق محصورة على أجلاف العرب وأعرابها ـ وأنا منهم بالطبع حتى لا تُظن بي الظنون ـ ولم يعلموا أن أربعة أخماس هؤلاء الخضيرية عرب أقحاح ذوو أصول عربية , لكنها ضاعت أو أُخفيت لسبب من الأسباب .. لقد عدُ علامة الجزيرة المرحوم حمد الجاسر , في مقدمة كتابه الشهير (معجم الأسر المتحضرة في نجد) عشرة أسباب ـ إن لم تخني الذاكرة ـ لتحول القبيلي إلى خضيري !
بعض من القبيليين ـ وللأسف ـ يُروجون عن الخضيريين عبارات ذوات دلالات مضللة للعامة , حتى أصبحت لدى الكثيرين حقائق ثابتة غير قابلة للرد , وأعني تلك العبارات التي ترد السلوك السيء إلى طبيعة العرق وكأنها جينات وصفات وراثية ملازمة لكل خضيري ..وهذا زيادة على تهافته منطقيا فيه اعتداء صارخ يوجب التأديب !
إن النظرة الاستعلائية الذي ينظر بها بعض القبيلية إلى الخضيرية هي نظرة يهودية المنشأ .. فاليهود هم الذين يرون أنهم شعب الله المختار , وأن غيرهم أقل منهم !
ستبقى مشكلة القبيلي والخضيري مسيطرة على أحكام الزواج مالم تحدث معجزة وما لم يحدث تخلٍ كامل عن كثير من القيم والمبادىء .. وهذه القضية تُعد وللأسف أيضا من المبادىء الثابتة !
لقد قرر الإسلام ـ دين الحق ـ وحدد طبيعة التمايز بين الناس , وحصرها في التقوى .. لكن شرار البشر , وإن شئت فقل متخلفيهم , وهم حقا متخلفون , جاءوا في فترة الجاهلية المتأخرة فسمّموا مياه المجتمع بهذه العنصرية .. ففسد كثير من شأن الناس , وخُلقت لهم مشكلات كبرى كانوا في غنى عنها !
والعنصرية العرقية شر أنواع العنصرية .. وليست مقصورة على مجتماعاتنا المحلية , بل هي قضية عالمية , وهي لدى الغرب أشد وأعتى ..ولعل منشأها الاستعلاء اليهودي الحاقد على البشر من غير اليهود , ذاك الذي استعبد الغرب حتى طوّعه وجعله يرسم سياساته المراعية لمصالح اليهود قبل مصالح رعاياهم .. وقد راجت خلال القرون المنصرمة مقولة العِرق النبيل , والدماء الزرقاء ونحو ذلك مما يبرز سمات التفوق الكاذب . لقد كانت أوربا وأمريكا الحاقدة تصطاد البشر من ذوي البشرة السوداء في أفريقيا كما تصطاد الحيوانات , وتضعهم في أقفاص لتبيعهم في سوق الرقيق الأمريكي , ليقوموا بالعمل في المزارع , وهناك يتم استعبادهم بطرائق وحشية تشيب لهولها نواصي الأطفال ! لقد كانوا يسِمونهم بالمياسم , ويبترون أطرافهم لتحييد حركتهم وضمان عدم هروبهم وكأنهم بهائم , حتى البهائم لا يجوز عقلا ولا نقلا أن تُعامل بغير الرحمة !
كان ذوو البشرة البيضاء من أحفاد القردة والخنازير وأبناء عمهم سليلي الكلاب في أوربا وأمريكا يتخلصون ممن يمرضون من صيدهم الأسود بإلقائهم في البحر أثناء رحلة العودة . ولم يكونوا يكتفون بالفعل فقط بل كانوا يُنظّرون لنظرتهم المحتقرة لذوي البشرة السوداء .. حتى إن أحدهم كان يقول : حاشا لله أن يودع في هذا الجسد الخبيث روحا طيبة !
ولعلكم أو بعضكم يذكر فلم (جذور) المنقول عن رواية الكاتب الأمريكي المسلم أليكس هالي , التي صور فيها فظاعات الاستعباد الأمريكي للسود .
ربما انحسرت العنصرية والنظرية الدونية للزنوج في أمريكا والغرب .. لكنه انحسار إجباري , أفرزته القوانين الصارمة . لكنها لم تمت في النفوس , وربما لن تموت أبدا .. لأنها عقيدة والعقيدة لا يقتلها إلا عقيدة أقوى منها وأكثر إقناعا .. والعقيدة الأقوى والأكثر إقناعا بإنسانيتها وعدلها هي الإسلام الذي قرر أن التقوى هي مقياس التفاضل بين البشر وأن ما عداها شرائع وقوانين باطلة .
التصنيف تعالٍ ليس له ما يبرره من عقل أو تفوّق ظاهر .. المسألة كلها لا تتجاوز اللون والأصل , وهذه ليست كافية لمصادرة حقوق التكافؤ بين البشر , ومظاهر التميز لم يخلقها الإنسان لنفسه حتى يتفاخر بها على الآخرين ..
العنصرية .. حلقة من حلقات الصراع بين البشر , وستظل إلى ماشاء الله عنوانا لطبيعة الحياة التي تنتظم الخير والشر في صراعهما الأبدي ..!






التوقيع


تكلم حتى أراك ..!