عرض مشاركة واحدة
قديم 17-08-10, 06:24 pm   رقم المشاركة : 20
عبدالله صالح العميريني
الله يقدس روح صاحب هذا الحساب في جنات النعيم
 
الصورة الرمزية عبدالله صالح العميريني





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : عبدالله صالح العميريني غير متواجد حالياً

الوقفة السابعة : تنوع الانتصارات .
قال الله تعالى : {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ , وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (140_141) سورة آل عمران
الآيتان الكريمتان جاءتا في سياق الحديث عن غزوة أحد التي أصيب فيها المسلمون , وقتل منهم الشهداء , وابتلي المؤمنون ابتلاء عظيماً .
وعند التأمل في هاتين الآيتين نجد أن الله تعالى يبين لنا أسباب تدوال الناس الانتصارات , فتارة ينتصر هذا المعسكر , وتارة ينتصر الآخر , حسب سنة الله تعالى .
بدأت الآية الأولى بحرف الشرط ( إنْ ) الدال على عدم تأكيد الشرط في الغالب , بخلاف ( إذا ) الدالة على تأكيد وقوع الشرط , فإذا قلتَ : ( إن زرتني أكرمتك ) فإن الزيارة غير مؤكدة , وإذا قلت : ( إذا زرتني أكرمتُك ) فالزيارة مؤكدة .
فإن يمسسكم قرح : فالبداءة بإن دليل على أن هذا المسّ الذي أصابكم أيها المؤمنون خلاف ما وعد الله به نفسه من نصرته لكم , ولكنه أتى به لحكمة يريدها بينها في آخر الآية .
والقَرح : أَلَمُ الجِراح , ويجوز ضم القاف : القُرْح . وقد نَسَبَ المسّ إلى القَرْح جريا على السنة القرآنية في نسبة المصائب إلى غير الله , وإن كانت من عند الله قطعاً , ولكن من باب التأدب مع الخالق جل جلاله وتربية لعباده بتنزيه الله عن الشرور كما قال تعالى : " {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} (10) سورة هود ( فنسب النعماء إليه , ونسب المس إلى الضراء ) , وقال تعالى : " {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (36) سورة الروم ( فنسب الرحمة إليه سبحانه , ونسب الإصابة إلى السيئة ) , وقال تعالى : { وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ} (48) سورة الشورى , وهذه مثل تلك . والأمثلة على ذلك من القرآن كثيرة .
ثم بيّن سبحانه أنه إن كان مسكم قرحٌ فقد مسّ القومَ الآخرين وهم كفار قريش قرح مثله , وذلك في غزوة بدر الكبرى , ثم جاءت القاعدة العظيمة : (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) والمراد بالأيام هنا المعارك والحروب , وهذا معنى خاص , ومنه أيام العرب , والمعنى العام : هو الانتصارات بشتى الميادين .
وهذه سنة الله تعالى حيث جعل الناس يتداولون القوى العظمى على هذه الأرض , ولا تكون لأمة وحدها تسيطر على الناس , لئلا تفسد الأرض , ولهذا جعل سبحانه على مدار التأريخ مناوئين ومحاربين لكل أمة مسيطرة , لئلا تفسد الأرض بسيطرة أمة واحدة , حتى ولو كانت هذه الأمة صالحة , لأن عدم المنازعة يجعلها تركن للدعة والضعف والخور , وهذا تفسير لقوله تعالى : " { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (251) سورة البقرة.
ثم بيّن سبحانه الحكمة من مداولة الانتصارات بين المسلمين وغيرهم , وحَصَرها في الأمور التالية :
1. لكي يعلم الله المؤمنين إيماناً حقيقياً , فلا يرتدون على أدبارهم بسبب هزيمتهم في معركة واحدة , بل يثبتون على دينهم , أما المنافقون وضعيفو الإيمان فهم الناكصون على أدبارهم والشاكّون بوعد الله تعالى وأنه حق , قال تعالى : " وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ " أي آمنوا إيماناً حقيقاً بالله تعالى ووعده الحق بالنصرة , حتى وإن اعترى طريقَ الحق بعض الانكسارات , فوعد الله آتٍ , ومثله قوله تعالى في نفس السياق والسورة : {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ , وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ } (166_167) سورة آل عمران , وهاتان الآيتان واضحتان في الدلالة على ما ذكرنا . وفي سورة الأحزاب توكيد آخر لموقف المؤمنين والمنافقين , وأن مواقف الشدة تكشف حقيقة الإيمان من عدمه .
2. أن الله تعالى أراد أن يكرم بعض عباده بالشهادة العظيمة في سبيله , وأي درجة ورفعة أعظم من الشهادة في سبيل الله " وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء " , وذكر الزمخشري معنى آخر للشهادة هنا لا أراه بعيداً حيث قال : " وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلي به صبركم من الشدائد من قوله تعالى " { لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } " الكشاف : 1 / 420 . ثم قال تعالى : " وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " وهذه الجملة اعتراض بين بعض التعليل وبعض , ومعناه : والله لا يحب من ليس من هؤلاء الثابتين على الإيمان المستحقين للشهادة , لأنهم قد ظلموا أنفسهم بالشك بوعد الله تعالى . انظر كلام الزمخشري 1 / 420 .
3. أراد سبحانه أن يطهر عباده المؤمنين من ذنوبهم بما يصيبهم من البلاء , وهذا تمحيص لهم " وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ " والتمحيص : التطهير .
4. العلة الرابعة من مداولة الانتصارات أن يمحق الكافرين , وهذه لها معنيان عند أهل التفسير , إما أن يمنحهم الانتصار فيغتروا بأنفسهم ويكون ذلك سببا لمحقهم وزيادة عذابهم بما يفعلونه من كوارث وطغيان ( تفسير ابن كثير ) , وإما أن الله تعالى يجعل الدولة للمؤمنين فيمحق الكافرين ويستأصل شأفتهم بأي المؤمنين ( تفسير الزمخشري ) , ولعل القولين مقصودان , فلا مضادة بينهما , فإن كانت الدولة للمؤمنين كان المحق حقيقيا في الدنيا , وإن كانت الدولة للكافرين كان المحق معنوياً في الدنيا تمهيداً لعذاب الآخرة . والله تعالى أعلم







رد مع اقتباس