[align=right]قال لعبد العزيز بصوت تشعر وأنت تسمعه وكأنه يخرج من صدره ممزقاً رئتيه وحنجرته العفنة :يا حيوان أنت كلب قلي أنت كلب ولا زباله أنت؟ هااااااه (تبع هذا المديح بصفعة كادت تهز الكون كله .. لحظتها رأيت الغبار يعج من حولنا وكأن الشمس اقتربت وبدأت أرى البعيد يقرب لعيني والأشجار تلتصق في بعضها حتى وصلت لمرحلة لا أستطيع وصفها..بعد هذا أنقطع صوت السيارات حتى أني أتذكر فم صديقي أحمد يتحرك ولا أسمعه كان يمد يده نحو الحادث ويسألني هل رأيت ما حدث لعبد العزيز؟! بندر تشوف تشوف ؟؟ )[/align][align=right]
كنت أتمنى لحظتها لو أن تلك الصفعة على خدي أنا.. لعلمي يقينا بأن وقعها علي لن يكون مؤثراً بالشكل الذي سوف يؤثر بعبد العزيز الطالب المهذب النجيب الخلوق الطيب الموهوب المحبوب..حتى وكوني مراهقاً وحسي متواضع تجاه مثل هذه الأمور إلا أني شعرت بغصة واختناق وقهر غريب !
صمتْ عبد العزيز ولم يرد على المدير فقط كان ينظر إليه وفوق رأسه علامة تعجب كبيرة فوقها استفهامات صغيره وفي عيناه لمعان دمعة حائرة وتجمد كالتمثال أو كقالب أسمنتي أو صنم متصدع لا يملك أن يحرك نفسه من مكانه فكيف له أن يرد ؟!
..المدير أدار ظهره وذهب نحو سيارته ذات الموديل القديم وهو يتحدث بصوت مسموع.. حنا نعلمهم وذا طالع يشوّت له قوطي).
كان أحمد يشدني من ثوبي نحو عبد العزيز .. ولخوفي من إحراج هذا الطالب المحترم وكي لا ينهار ويبكي أمامنا ويزداد جرحه جرحاً آخر منعت أحمد وقلت له فلنذهب من هنا تعال تعال .. ومسكت يده وسلكنا طريق آخر ..لا أعرف وقتها أكنت على صواب أو مخطئ ؟ ربما لو ذهبت لعبد العزيز واعتذرت منه وأظهرت تضامني معه وانه لم يكن على أي خطأ يذكر وأنه لا يستحق ما جرى له .. ولكن ما كنت لأحتضنه وأمسح دموعه فليست من ثقافتنا أبداً .. بكل أسف !!
كنت أحاول الفهم ..لماذا ومن أجل ماذا..تساؤلاتي بحد ذاتها تؤلم وتقهر هل ثمة خطأ فادح يستحق العقاب !!؟
.....انتهى العام الدراسي وانتهت المرحلة المتوسطة الكريهة بسلام..نجحوا ذوي الرؤوس الطويلة وعبد العزيز أيضاً نجح فأعمال السنة كانت تخدم البعض خاصة أولئك الذين يعتبرون لعُصيّ المعلمين ألف اعتبار ..وأنا نجحت بالدور الثاني بعد أن رسبت بمادة الرياضيات أحمد أعاد السنة لأنه رسب بخمس مواد!!انقطعت علاقتي بكل الزملاء ولم أعد أرى أحد منهم ماعدا أحمد، وعلى فترات متباعدة لأنه ابن الجيران وصديق طفولة..أحمد بعد المتوسطة التحق بالسلك العسكري وحالياً لا أعرف رتبته بالشرطة..متزوج لديه ولد وبنت..أنا أكملت دراستي ثم عملت بالقطاع الخاص فترة لا بأس بها ومارست عدة أنشطة تجارية بعضها أخفقت بها والآخر كتب الله له النجاح الحمد الله وانتهى المطاف بوظيفة في إحدى الدوائر الحكومية وفي موقع مناسب ولله الحمد والمنّة .
.
.
.. يوم الجمعة بعد صلاة العصر خرجت من المنزل مرةً متجهاً لاستراحتي حيث جرت العادة فهي ملتقى الأصدقاء.. وخاصة عصر يوم الجمعة الكل يحرص على التواجد فمتعتها لا تفوت .. مليئة بالأحاديث ومناقشة أمور كثيرة وفي أي أمرٍ كان..بينما كنت في الطريق قلت في نفسي لما لا يتغير هذا الروتين المعهود ولو لمرّة واحدة.. لم يخطر على بالي مكان واتجاه معيّن فوجدت نفسي أقترب من السوق استحسنتها من فكرة .. ياااه لقد مضى وقت طويل جدا ً لم أذهب إلى السوق القديم..أوقفت السيارة وترجلت .. كنت أمشي بين محلات العطور والأحذية وأنظر إلى هذا وذاك كيف يفاصل بعضهم بعضا كان حديث البائع هناك مع المشتري بأسلوب احترافي يرّغب هذا ويدعو ذاك يا لها من مهنة تحتاج لصبر وحلم وذكاء!..كانت مشاهدة المسنين تعيد إلى ذاكرتي من أفتقدهم.. رحمهم الله جميعاً .
فجأة رأيت مجموعة من الشبان يركضون باتجاه واحد!!حتى العمالة الوافدة يهرولون بنفس الاتجاه وبعض أصحاب المحلات رأيتهم يغلقون محلاتهم وبنفس الاتجاه يذهبون!!!ما الذي حدث؟؟؟هل أذهب وأرى بعيني ؟ أو أهرب هل هذا هروب من أمرٍ ما ؟!لا بل سأذهب نعم لابد أن أذهب لأعرف ما هناك!!!!
ساقتني أقدامي إلى حلقةٍ كبيرة من الناس قد يصل عددهم إلى الألف رجل ملتفين حول شيء لابد أن أعرف ما هو!! وبعد عناء الدفدفة والملاكمة ساعدني طول قامتي بتخطي هذا الزحام إلى أن وصلت إلى حلبة يقف بها باص أبيض..نزل منه رجل طويل نحيل له لحية طويلة وليست كثيفة يلبس ثوبا يصل إلى منتصف الساق، يرافقه شرطي يشبه الممثل الحيان سمين وذا وجه طفولي ..فمه مبتسم وعيناه تقول غير هذا !فتحوا باب الباص الجانبي وأنزلوا رجلاً مقيّد بسلاسلٍ ، ملثم بشماغ متآكلة أطرافه مطأطأ رأسه..أوقفوه لينظر إليه الناظرون وليرتعد المنحرفون.. تقدم المطوع ليقرأ نص من القرآن الكريم، وأتبعه نصيحة بتقوى الله.. وقال هذا الواقف أمامكم سيقام عليه حداً من حدود الله لإقدامه على شرب الخمر فقد تم القبض عليه وهو في حالة سكر وفي حوزته كمية للبيع..مسكه الشرطي من يده ليدير وجهه إلى الباص كي يتم جلده فرفع رأسه لينظر إلى الناس بشكل سريع..أول عين وقعت عينيه عليها هي عيناي فإذا به يدير رأسه باتجاه آخر ويعيد النظر مرة أخرى بنظرة حادة وأنا أتفحص وجهه..أعرفه عرفته هو.. متأكد أنه هو..عبد العزيز!!![/align]
[align=right]يا الله أرجوك أصلح حاله وتب عليه مما ابتليته وأحسن إليه وأصلح حالة اللهم أني أسألك بكل أسم سميّت به نفسك أن تعيده إلى طريق الحق والصواب يارب..أللهم آمين.[/align]
[align=right]متى يقام الحد على المدير المجرم؟[/align][align=right]
ومن يقتص لعبد العزيز؟
ومن المسئول عن أسباب انحراف الكثيرين أمثاله ؟![/align]
[align=center]ولا حول ولا قوة إلا بالله ،،،[/align]