[align=center]قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن على حد قول المتنبي ؛ إذ ذاك يبدأ المرء بتغيـير وجهته لعله يجد رياحًا تحمله , كما الماء حين يصده ما ارتفع من الأرض , فإذا به يميل نحو ما انخفض منها , وما الدين إلا فيه من تلك العوائق والمتاريس حين التطبيق , فكان على المنوطين به فعل الأسباب ولو حادت عن جادة الصواب .
التيار الصحوي تيار قديم قِدم الإسلام , ورموزه معروفة شهيرة غير مغمورة , فيهم الخير , وفيهم كوادر لها أصل ثابت فيه , أما فروعه فهي قلما تكون في السماء , وإنما يغلب عليها عدم مجاوزتها الأرض , إذ راح بعض المنضوين فيه يسومون التطبيق الصحيح له سوء الجهل , وخُبث المحتد , فلا يزال كثير من أتباعه ونواقيسه عارًا عليه , وجالب وصمة شوهاء تُخرجه عن أصله الموضوع له , فإذا هو يضوع في بحر من التخبط , أمواجه الشتائم , وزبده الفكر العقيم ببعض أولئك .
قلما نجد في كثير من أصحاب هذا التيار وعيًا مدركًا للحاضر الذي يعاصرنا ونعاصره , وقلما نجد فهمًا من لدنهم لكثير مما جاء به الطوفان الاجتماعي المستجد , إذ يشيع في هؤلاء رفض الجديد , وهيام وعشق للقديم لا أعرف مأتاه , بل أظل حائرًا أمام فهمهم المغلوط حياله , فلا ألبث كثيرًا حتى أعلم أنهم مترعون بالنَّـزق الظلامي في كل شيء .
في نصحهم قسوة وشدة , وفي قبولهم للمباح الجديد بطء ممقوت , وفي نقدهم وردودهم على مخالفيهم جهل وضيق أُفق وتحجير واسع , فكأنهم لا يعرفون أن القرآن يأمرهم بالموعظة الحسنة , وأن لين الجانب من خصال دينهم , لذلك نجد كثيرًا منهم يحسبون أن الدين دينهم , وأنه لهم , وحصر عليهم دون غيرهم , فلا يحق للمخالف أن يفهم عنهم ما يقولون , ولا يستحق دعوته إلى الدين .
في تيارهم يشاركهم حزب الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر , ولا أجد كثير اختلاف عن سابقيهم , بل إنهم يصدرون عن مشكاة واحدة , ويكتبون عن كتاب واحد , إنه كتاب الغلظة والجفاء , والشدة وتتبع الترهيب دون الترغيب , فكأن المعروف عند كثير منهم أصبح المعيوف , وكأن النهي صار ملازمًا لفرد العضلات .
جنسان وضربان من التيارات الكثيرة التي تدعونا إلى مقت كثير من نهجهما , وإلى وجوب بذل التصحيح في مسارهما , فقد عانى المجتمع من سوء تعامل تلك الأيادي طويلاً , وراح ينتظر فرجًا من العقلاء حين ينددون بأفعالهما , فقد أصبح الإسلام على أيدي كثير منهم دين محاكم التفتيش الأسبانية .
[/align]