لازلت أتذكر يوم أن كنت صغيراً ، عندما كنت أنظر الى جدتي " رحمها الله " و هي تتحدث مع إحدى قريباتها عن تفاصيل تلك المشكلة ، كان الحوار بينهن ساخناً ، يكاد أن يحرق فؤاد كل واحدة منهن ، و كانت علامات الأسى تعلو وجوه الحاضرين ، وسهام الحزن تطعن في قلوبهم ،، ما عداي أنا .. ذو القلب الغض الذي ينبض بمشاعر الآخرين ، وصاحب العقل الذي لا يميز سوى قسمات وجه أمه من حوله ، ومع ذلك فقد كنت أشعر برغبة عارمة للبكاء بمجرد أن أرى دمعة ساربة من عين أحدهم ...
إنها وداعة الطفولة ، براءة الروح وعذرية القلب، البساطة في كل شيء ، العفوية في القول و القصد ..إلا أن كل شيء في هذه الحياة الى زوال ، ففي الأمس القريب كانت الطفولة لحن يترنم و يشدو شوقاً إلى الكبر , و أما اليوم فهي كشذرات متناثرة على صفحات الماضي ، أو كورقة خريفية حملتها الرياح من بستان ذو ظل وارف ، إلى صحراء قاحلة ، ممحلة ، حيث أشعة الشمس و لسعاتها الحارقة ..!
يالله كم الذكرى مؤرقة .. ويالله كم في الأعماق من جراح غائرة تنكؤها المواقف العابرة .. ولعل أيام الطفولة و لحظات الصبا كما لو كانت قد نقشت على لوحة بديعة ، ذات ألوان زاهية ، و ملامس ناعمة ، هي باقية ، في مخيلتي كما هي ، تشدني نحوها نسمات الأشواق ، و يأخذني إليها حنين العشاق ..!!
ياترى هل في هذا الزمان من يحن الى الماضي و يشتاق لصباه ؟ كما لو كان سيعود اليه !! أم أن الماضي أمتزج في وعاء الحاضر ، فأصبح بلا لون و بدون طعم !!
أصفى ودادي و خالص محبتي للكل ..
طفل الماضي و رجل الحاضر و المستقبل "طوى" ..