ومن آبار وسيطة انعطفنا الى اليمين قليلا وسرنا جنوبا غربا 10 درجات ووصلنا في ثلاث ساعات الى الصريف وهو واد يمتد من الشمال الى الجنوب على قرابة 8 كيلومترات طولا وكيلومترين عرضا.وفي الجزء الشمالي لاتزال هناك آثار منطقة بركانية.
من بداية الوادي عبرنا على أطلال قصر بني جزئيا على الأقل من الحجر المقصوب وقد أصبحت بمستوى الأرض.وأبعد قليلا تنتصب ثلاثة قصور يبعد الواحد عن الآخر قرابة كيلومترين ونصف الكيلومتر ولكن القصور مبنية بالآجر.وحولها رأينا الكثير من الخضرة وحقول قمح وشعير.مياه الآبار تقع على عمق لايتعدى مترين أو ثلاثة أمتار.القصور من الآجر تتألف من مجرد أربعة جدران كبيرة وباب ضخم,أما داخلها فمقسم الى بضعة أكواخ بائسة تستخدم كمأوى.والقصور والآبار والحقول تعود لبضع خيام من للصلب تقع مراعيهم الى الجنوب الشرقي من هنا,في النفود,الى ماوراء وادي الرمه.من حين الى آخر وبخاصة اذا كان الشتاء ماطرا,يذهبون الى الصريف ويزرعون فيه الشعير والذرةوأحيانا القمح.
تابعنا سيرنا باتجاه الجنوب ووصلنا في الواحدة من بعد الظهر الى قصر رقية في وسط فوهة بركان يبلغ قطرها ميلين.مظهر هذا القصر المبنى ايضا من الآجر جميل من الخارج,ولكنه في الواقع مؤلف من جدران فقط تضم كوخين بائسين يبيت فيهما النواطير المزارعون.
البئر الموجودة داخل القصر من أجمل الآبار التي رأيتها في الشرق.لها فتحة تبلغ 24 مترا مربعا فيما يبلغ عمقها 22 مترا,حفرت الأمتار التسعه الأولى في الرمل والتراب بينما حفر الباقي في الحث.في السنوات الخيرة ترتفع المياه عادة الى 15 وحتى 20 مترا ولكن بما أن المطر كان قليلا في الشتاء المنصرم فان مياه البئر منخفضة نسبيا.المياه التي تسحب من البئر بواسطة الجمال وفق العملية المتبعة في كل الجبل والقصيم,تمر عبر قناة خارج القصر وتروي حقول الشعير,والذره والقمح المحدودة.هذه السنة نظرا لنقص المياه فعلى طول أقنية الري الصغيرة زرع الشمام والبطيخ الأحمر.قام بتشييد هذه الملكية الجميلة التي تخص الأمير حسن والده مهنا قبل عشرين سنة.
الروضة
على بعد 8 كيلومترات الى الشمال الشرقي من قصر رقية يقع كفر النبقية الصغير الذي يضم 35 نسمة.ومابين الرقية والنبقية تمتد صحراء حجره ثم يعود النفود ليبدأ على مسافة قصيرة الى شرق هذه القرية الصغيرة.
بعد توقف لمدة ساعتين في الرقية تابعنا سيرنا جنوبا ووصلنا بعد ساعتين الى الروضة وهي قرية تعد 150 نسمة ومقر ابراهيم المهنا, شقيق الأمير حسن.كل واحد منهما يملك فيها مزرعة كبيرة من النخيل.للقصر الذي بناه ابراهيم لنفسه وان كان من اللآجر,مظهر مهيب جدا وخاصة من بعيد.ويخيل الينا أنه بناء بابلي هائل.
ابراهم المهنا بدا لي اقل ذكاء من شقيقة حسن.وقد استقبلني بحفاوة.كنت اعتزم قضاء يوم في الروضة لفحص الجانب الجيولوجي المثير للاهتمام للمنطقة المحيطة ولكن ذلك استحال على.فمنذ مغادرتي بريدة كانت الرياح تعصف بقوة غريبة والسماء كانت باستمرار متلبدة والجو ثقيلا ثقل الرصاص.ابان عصف الريح كان ميزان الحرارة يرتفع في الظل حتى +50 درجة مئوية الا انني كنت اتحمل كل هذا بشكل أفضل في العراء منه في بيت تحت النخيل.واذا رأيت ميزان الحرارة يرتفع غداة وصولي بسرعة اكبر من البارحة ولدي شعوري بأن رأسي مطوق بطوق من حديد,أعطيت أمرا بالمغادرة في العاشرة صباحا.وبعد نصف ساعة بدأنا سيرنا بأتجاه الجنوب وقد لففنا الرأس والجسم وكأننا في رحلة الى القطب الشمالي لحمايتها من الشمس والريح الحارقتين.وبعد ساعة في هذه الوجهة وصلت الى وادي الرمة قادما من الغرب,ونزلت في مجراه وسرت فيه حتى الثالثة حيث غادرته في طريقي نحو الشمال.وبعد ساعة ونصف الساعة كنت قد عدت الى بريدة.
من المكان الذي التقيت فيه وادي الرمة قادما من الروضة,تقع على مسافة 3 كيلومترات جنوبا الى وراء قرية الشماسية الصغيرة وتضم 250 نسمة.هذا المكان الذي قيل لي انه فقير كان موجودا في القرن الماضي.
على مسافة 10 كيلومترات شمال غربي الشماسية تقع الثامية وهي مزرعة صغيرة تضم 10 اشخاص.أمضيت اليومين التاليين في بريدة وفي 17 آب غادرتها مره ثانية لزيارة عنيزة.
تلبية مني لدعوة أحد السكان الأثرياء, الشيخ ناصر الذي كان يقطن الخب,أخذت طريقي من هنا.كانت المسافة تبلغ الميلين فيما كانت الوجهة الجنوب.
غربي بريدة يشكل النفود تلالا طويلة تمتد من الشمال الى الجنوب.والخب تمتد في الاتجاه عينه في الوادي الثاني ابتداء من بريدة على طول 4 كيلومترات وتضم ملكيات رائعة.ملكية الشيخ ناصر من أروعها وتضم 700 نخلة يبلغ عمرها ستين سنة أي أنها عز حيويتها.وهو يملكها من ثلاثين عاما ولكنه عازم على بيعها نظرا لتناقص المياه وقد عرض عليه هاو حاليا خمسة الآف ريال مما يجعل سعر النخلة الواحدة أكثر من سبعة ريالات بقليل. وفي حائل يبلغ سعر النخلة اجمالا عشرة ريالات.يستفيد الشيخ ناصر من هذه الملكية دخلا سنويا يبلغ 2000 فرنك تقريبا ويجعله هذا المبلغ رجلا ثريا في القصيم.
لم أغادر الخب الا عند صلاة العصر قرابة الثالثة عصرا وسرت الى الجنوب الشرقي.وبعد كيلومترين صادفنا أول بساتين حويلان وسرت بمحاذاتها مسافة 3 كيلومترات حيث تبدأ القصيعة التي تمتد أيضا من الشمال الى الجنوب على مسافة تتراوح مابين 2و3 كيلومترات.
على الرغم من وجود هذه القرى الثلاث الخب,حويلان والقصيعة في قلب النفود الا أنها تقع في ثنية أرضية خالية من الرمل وهي من هذه الزاوية تشبه الجبة شمال جبل أجا وآبار الشقيق والزهري جنوبي الجوف.
بعد مغادرتي الخب بساعتين,تركت الوادي الذي تمتد فيه هذه البلدات الثلاث وسرت مجددا في النفود الى الجنوب 10 درجات شرقا.انطلاقا من هذه النقطة وحتى مدينة عنيزة تصبح الطريق شديدة الخطورة بسبب التجوال الدائم للبدو الذين يخيمون في الصحاري شرقي هذه المنطقة وغربها.