[align=center]
لم تـتنازع أمة على شخصية كما تنازعوا في شخصية علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – حيث كاد أن يصل إلى رتبة المسيح - عليه السلام - من حيث تلك المنازعة , فقد كان النصارى يغلون فيه حين اضطهدهم الرومان , وعلي غلا فيه بعض المسلمين حين تمنى شيعته من أهل السنة والرافضة أن يكونوا زنادقة ولا يقال لهم علويين في عصر معاوية وما جاء بعده .
يخطئ من يظن أن عليًّا كان خليفة بمعنى الخلافة , ويخطئ من كان يلبسه لباس الحاكم الذي يريد أن يبقى ليصلح البلاد والعباد , بل كان ثوريًّا من الطراز الأول , لقد كان في فترة مبايعته القصيرة يحيا حياة من يريد أن يموت سريعًا , لاسيما بعد أن قال : فزت ورب الكعبة . حين ضربه عبد الرحمن بن ملجم .
إننا نعلم أن الخليفة بالمنظور الاجتماعي في عهد عثمان بن عفان كان معاوية , حيث كان هو الذي يسير الأمور , كان عثمان يستشيره ويرسل إليه المخالفين كأبي ذر وأبي هريرة وغيرهما , كان عليٌّ منشغلاً في حروبه مع الخوارج ومع غيرهم , لم يكن خليفة بالمعنى الذي عُرف به غيره في مجتمعاتهم .
كان عليٌّ يسير كما نهج أبي ذر الغفاري في توزيع المال , وفي السياسة , كان يخالط الناس , ويجلس إلى القاضي وخصمه معه كما في درعه الذي سُرق في صفين , حيث حكم القاضي للسارق حين لم يجد لعلي بينه ولا حجة , كان يحاكي العامة في الطرقات , كان يحسب أن عصره مثل عصر النبي ومن جاء بعده من الخلفاء .
إن الإنسان حريص على ما مُنع , لذلك حين أخذت المنابر الأموية تلعن عليًا – وفيها قول – أخذ الناس يرهبون سطوة الدولة , فكان التشيع له في الخفاء كما عند الإمام أبي حنيفة وغيره , فكان أن تجاوز رواة الحديث بجمع ما قيل عنه وفي فضله حقيقة أو زورًا , وأنه آية عصره ووحيد زمانه , وبما أن الموالي كانوا مضطهدين في عصر بني أمية كان جلُّ الرواة من الموالي كالبخاري ومسلم وغيرهما , فكانوا يحاربون الدولة بتلك الأحاديث .
الذي يتـتبع تاريخ العلويين يجدهم ثوّارًا على مر التاريخ , فقد ورثوا الثورة عن جدهم علي , قُتل علي على يد ابن ملجم الخارجي لأن عليًّا قتل أهله في معركة النهروان , وقُتل الحسين لأنه نازع يزيد بن معاوية في خلافته , وقتل عقيل عم الحسين لتجسسه لابن أخيه الحسين , وتنازل الحسن لمعاوية ولولم يـتنازل لكانت الحرب التي تنهي العرب والمسلين بعد صفين والجمل , على أن أهل السنة منذ القدم هم من جعل له تلك المكانة , حيث كان النبي يحبه , وزوجه ابنته , ثم قتل خلفاء الدولة الأموية أبناءه وأتباعه ومثلوا بهم مصلوبين , ونحن اليوم لا نكاد نذكر آل البيت حين نقول : صلى الله عليه ( وآله ) وسلم , حيث كانت السياسة منذ الدولة الأموية تمنع منها , فبقيت على ألسنتنا حتى اليوم .
لا يزال عليٌّ رمزًا للثورة حتى اليوم , ومن قرأ سيرته علم أن ثورته موجودة في قلب كل من أحس بالظلم والجور , لقد علَّم الناس أن يثوروا لله وفي الله , علَّمهم عدم ( طلب العدل بالجور ) . [/align]