|
لم تكُ بريدة بدعًا من المدن , حيث تموج فيها طائفة من ضعاف النفوس , وتعج فيها طائفة أخرى تبارك وتشاطر هذا الضعف من أقطاره , وتفرح جذلة إن أصابت مغنمًا من أصحاب المناصب , إنهم الساعون وراء ستار التجديد والتطوير , فإذا رصدت الميزانية لمشروع ما وجدناهم يخرجون من أماكنهم , ويعكفون على اعتماد المشروع , ثم البحث عن شركة أو مؤسسة تقوم به .
جاء في كتاب " حياة في الإدارة " لغازي القصيبي من أن أحد المسئولين استنكر ما طلبته إحدى الشركات لتنفيذ خط قطار الدمام الرياض , حيث إن المبلغ كبير ومبالغ به , فكان أن قال الملك فيصل له : هل تعمله أنت ؟ ! فأسقط في يدي الرجل !
إن مديري العموم يعلمون أن مبالغ المناقصات الممولة لمشروع ما مبالغ فيها , وبعضهم يختار المناقصة التي تمنحه شيئًا من المال , فكل مدير يعلم أنه سوف يقذف من كرسيه في قابل الأيام ولن يأخذه معه إلى قبره , فتلك الفئة من المديرين يتربصون بالفرص , ويتحرون إنهاء الترسية سريعًا , بل يفكرون ليل نهار كيما يظفروا بمشروع جديد تحت غطاء التطوير والتجديد , فاقتسام الكعكات يجب أن يكثر وهم في تلك المناصب , فالتقاعد قريب , والحسرة على تضييع الفرص لن تتركهم , فضمائر نفوسهم الضعيفة ستؤنبهم !
لو تأملنا في المشاريع التطويرية في مدينة بريدة لوجدنا نبذة موجزة عن كل مشروع , وأنه سوف يخدم كذا ويوفر كذا , ويغنينا عن كذا , فإذا انتهى المشروع وجدنا ضد ما قرأناه في تلك النبذة الموجزة , فيظهر لنا بجلاء أن المراد من المشروع هو انتفاع من طرح فكرته , ومن رصد له ميزانية تفوق حجمه الطبيعي , ومن تآمر وألح على إقراره واعتماده , وتلك جريمة في حق المال العام .
لو تأملنا في تعليم القصيم أو في البلدية أو في الأمانة أو غيرها ؛ لوجدنا مشاريع شبه شهرية يعلن عنها , ونعجب من تصريح القريبين من المشروع حين نسمع عن الميزانية العالية المرصودة , فلو أخذنا مثلاً قطاع البلدية , ورحنا نتحدث عن مشروع صغير لهالنا العجب , فدوار شارع النهضة ما قبل الأخير من الجهة الغربية تمت ترسيته بمبلغ ستمئة ألف ريال , أما الدوار الأخير من الجهة نفسها فقد رصد له أربعمئة ألف ريال , بينما الحق أنه لا يكلف ربع تلك المبالغ ! ! أو حين تعلن الأمانة ترسية مشروع تحت بند تجميل وتحسين مدينة بريدة , فالمشروع مطاط غير محدد , وإن قال أحد بعد انتهاء المشروع : بريدة لم تتغير , فأين التجميل والتحسين ؟ ! راح القائمون يسبونه ويقرعونه , ويصفونه بالحاسد الحاقد , والمتهم لهم بالسرقة , وهو – وأيم الله – لحق لكل مواطن غيور أن يسأل .
هناك أناس منتفعون ومتنفعون من نهب ميزانيات الدوائر الحكومية تحت غطاء التطوير والتحسين والتجديد , ومديرو العموم فرحون بما يستجد من مشروعات في عهدهم , وأكبر الظن أن بعضهم شريك في اقتسام شيء من القيمة الوهمية لكل مشروع , فلو تأملنا التغير المفاجئ في الوضع المادي للمدير العام الواحد لوجدناه قد صعد إلى الطبقة العليا في المجتمع , وكان من قبل رئيس قسم عادي في دائرة حكومية , مغمورًا خامل الذكر , متوسط الحال , فلا يلبث كثيرًا في المنصب حتى تتدفق عليه الأموال من حيث يحتسب أولا يحتسب !
إنني أظن , وبعض الظن إثم وليس كله إثم , فالبقية من الظن تحدونا إلى اكتشاف السرقات في المناصب , فلولا الشك وسوء الظن المتربص لما استطاع العلم الجنائي من كشف الجرائم . . . وبريدة اليوم كثيرة المشاريع , وكثيرة السرقات لولا أن تفنّدون أعزائي القراء ! !
|
|