المسباح.. أول قافلة حج كويتية منظمة كانت في عام 1800 - 1801 للمرحوم فهد الدويلة
عام 09/10/2011 09:56:00 ص
الكويت 9 - 10 (كونا) -- في مثل هذه الايام وفقا للتقويم الهجري من كل عام تتوجه انظار المسلمين الى المشاعر المقدسة في مكة المكرمة حيث يؤدي المسلمون مناسك الحج والعمرة. ويعود الباحث في التراث الكويتي صالح المسباح بالذاكرة الى بدايات حملات الحج في دولة الكويت فيقول ان أول حملة حج انطلقت من الاراضي الكويتية كانت للمرحوم فهد الدويلة الذي ولد عام 1772 وهو صاحب فكرة تنظيم أول حملة حج منظمة من حيث الاعداد والتجهيز وكان ذلك في عام 1800 - 1801 على شكل قافلة حاملة للحجيج على الرغم من محدودية امكانياتها وبساطتها.
واضاف المسباح لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان الحملة الكويتية الاولى كانت عبارة عن قافلة من الابل المجهزة ويعد فهد الدويلة صاحب المبادرة وساعده في ذلك علاقته العميقة مع شيوخ القبائل وحكام الجزيرة العربية التي سهلت عليه النجاح في الاعداد والتجهيز وتوفير الأمن.
وأوضح ان فريضة الحج من الفرائض المهمة عند اهل الكويت ولها مكانة خاصة جدا في نفوسهم على الرغم من المشقة وطول الطريق لذا كانوا يستعدون لموسم الحج قبل أشهر ويقوم صاحب الحملة بشراء الجمال قبل الموسم بفترة ويختار الأنثى من الابل (الناقة) كونها اكثر قدرة على تحمل مشاق السفر والطريق الوعر وتوشم الناقة وجميع الدواب الخاصة بكل حملة بوشم خاص بصاحب الحملة ويتم وضعها في (مربط الابل).
وذكر ان الوشم كان ضروريا ليتعرف صاحب الحملة على ابله اذا ضلت في الصحراء أو سرقت والجدير بالذكر بأن الناقة عادة ما تتعب وتضعف بسبب المسير الطويل الوعر فما أن تصل الحملة الى مدينة بريدة حتى تستنفد الجمال كامل طاقتها فيضطر صاحب الحملة أن يستبدلها بجمال جديدة سواء بالشراء أو بالتأجير.
ويضيف المسباح ان صاحب الحملة كان يجهز أدوات الركوب من (أشدة) للجمال لركوب الرجال وكذلك الهودج الذي تستخدمه النساء وكأنه مقصورة صغيرة على ظهور الابل فوق (الأشدة) ويكون مغطى بغطاء مزركش مع وجود شال صوفي أحمر اضافة الى الطعام الذي يحتاجونه أثناء سفرهم الطويل الى مكة المكرمة.
وأشار الى معوقات كثيرة كانت تعترض الحجاج واصحاب الحملات منها الامراض والأوبئة في موسم الحج وذلك بسبب ان الفترة الزمنية لخروج الحجاج وعودتهم طويلة تستغرق أشهرا والتغيرات المناخية من حرارة الى برودة مما يتسبب بالمشاكل الصحية خصوصا لكبار السن والاطفال والنساء وكذلك يجب الاحتياط وتوفير كميات كبيرة من الماء.
واضاف ان من المعوقات كثرة الحروب وعدم الاستقرار السياسي في منطقة الجزيرة العربية الى ان تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود من حكم الجزيرة العربية فاستتب الأمن وحل القانون.
وبين المسباح ان الحجاج الكويتيين كانوا يتجمعون اذا قرب الانطلاق في مكان قريب من منزل صاحب الحملة أو قد يكون خارج سور الكويت في منطقة الشامية الواقعة خارج السور وتعتبر المحطة الأولى عندما يكون الانطلاق بعد الخروج من دروازة نايف وقد كانت هذه المحطة هي المحطة الأولى للقوافل التجارية الذاهبة الى نجد والشام والقادمة منهما حيث تتجمع فيها القافلة بعد أن ترتوي من مياه آبارها ثم يتم الانطلاق باتجاه قرية الجهراء التي تبعد عن مدينة الكويت عشرين ميلا.
وذكر ان منطقة الصليبيخات التي تبعد عن مدينة الكويت ستة أميال تقريبا وتقع جنوب غرب المدينة تعتبر المحطة الثانية التي يمرون بها كما يمرون في سيرهم على مناطق الشدادية وآبار عشيرج وأمغرة حتى يصلوا الى محطة الوقوف الأولى وهي الجهراء.
وقال انه يتم تحديد معالم هذا الطريق ووصفه على وجه التقريب ما كتبه لوريمر في كتابه (دليل الخليج - القسم الجغرافي) حيث يقول واصفا الطريق "يحاذي الطريق حتى منتصفه الشاطىء الجنوبي لخليج الكويت وهو في خمسة الأميال الأولى رمل ناعم ومعطل للسير الى حد ما وذلك نتيجة لكثافة الرمال وفي النصف الثاني تعترض الطريق تموجات طفيفة لا تكاد تحس وهي بزوايا قائمة ولكن الأرض صلبة الى حد ما وعلى يمين الطريق تقع آبار تسمى عشيرج وعلى شماله تقع آبار أخرى تسمى شدادية".
واضاف انه بعد هذا السير المضني وبعد قطع عشرين ميلا تسير فيها القافلة في طريق تكثر فيه رمال الصحراء تصل القافلة الى أول محطة تقف عندها للراحة والتزود بالماء هي قرية الجهراء الصغيرة في حجمها القليلة في بيوتها ومزارعها الواقعة غرب مدينة الكويت وعلى بعد عشرين ميلا في سهل رملي منبسط تتناثر فيه بعض مراعي الجمال.
وافاد المسباح انه بالنسبة الى خيام حملات الحج الكويتية درجت عادة الذهاب الى الحج على ان يتم رفع علم أحمر أو أبيض أو أخضر على أسطح البيوت للدلالة على سفر أحدهم وكان التقليد الشعبي ان تقوم بنات الفريج بحمل سلة صغيرة تسمى (الحية) وهي زبيل من الخوص تتم زراعة بعض النباتات فيها كالحلبة والشعير والرشاد سريع النمو حينما يتوجه الحجيج الى أداء مناسك الحج وعند اقتراب وصولهم يكون الزرع قد كبر.
وذكر انه إذا فسد هذا الزرع فمعناه ان مكروها قد حصل وعندها تذهب بنات الفريج بسلال الزرع الى البحر ويرددن (يا حيتي يا بيتي حي لأبوي حي لأمي) ثم يرمين السلال في البحر وهن مسرورات وهناك عدد من العادات والطقوس ترافق هذا الموسم منها ما يعرف ب(البشير) و(العزيمة) و(توزيع الهدايا) مصحوبة بالأهازيج.
واضاف المسباح انه قديما كان يفترق طريق المسافر القادم من الكويت عند قرية الجهراء حيث يتفرع الطريق الى وجهتين الاولى طريق ينطلق من الجهراء الى البصرة والطريق الآخر يبدأ من الجهراء باتجاه الرقعي ثم الحفر فهو طريق حجاج الابل وطريق القوافل النجدية ويبدأ طريق الحج من جنوب غرب الجهراء ثم (خربة البغل) على اليمين ثم يستمر الطريق ليتصل ب(تل فريدة) بعد عبور وادي (أم أتوينج) ثم (السادة) الى (وادي الشق) والى (أم عمارة) والرقعي وباتجاه شعيب الباطن وصولا للحفر بعد مسافة تقدر ب180 ميلا ومن هناك إلى بريدة ليسلكوا (درب الحجاز) من بريدة الى مكة المكرمة.
ولفت الى انه من بريدة يمكن الاختراق باتجاهين فمن أراد مكة اتجه جهة الجنوب الغربي ومن أراد المدينة اتجه جهة الغرب وطريق المدينة يتفرع الى طريقين طريق قديم يسمى طريق حاج البصرة وطريق جديد يسمى طريق الابل.
واوضح ان هناك بعض الحجاج يفضلون السفر الى الحج بواسطة السفن الشراعية وأقدم تاريخ لحجاج البحر "حصلنا عليه في سنة 1270هـ / 1853م وفي هذه السنة حج والد الشيخ محمد الصالح الابراهيم وهو صغير عن طريق البحر وكان معه الحاج شاهين الغانم وعيسى القناعي والشيخ عبدالله خلف الديحان قاضي الكويت المشهور حج في سنة 1906م ووثق حجته بقصيدة طويلة.
واضاف ان بعض الحجاج يفضلون السفر بواسطة السفن الشراعية لفقدان الأمن في منطقة الجزيرة العربية قبل توحيدها على يد الملك عبدالعزيز بن سعود يرحمه الله وكان هناك طريقان الاول الى بومبي ثم الى جدة مرورا بأبوشهر والبحرين وقطر ودبي وبندر عباس ومسقط وكراتشي ومدة المرحلة الأولى الى بومبي عشرة أيام ثم الاقامة أكثر من أسبوع بانتظار السفن المغادرة الى ميناء جدة والتي تمر في طريقها بعمان ثم المكلا وعدن وبربرة في الساحل الأفريقي وأخيرا تصل الى جدة وتستغرق الرحلة عشرة أيام اخرى.
وعن الطريق البحرية الثانية قال المسباح انها هي التي تسلكها السفن التجارية وتبدأ من البصرة الى ميناء جدة مباشرة مرورا بعدة موانىء في مياه الخليج العربي وقد أنشأت روسيا خطا تجاريا في عام 1901 ينطلق من الخليج العربي الى الاسكندرية وقد أفاد هذا الخط التجاري الحجاج كثيرا.
واشار الى ان من عادات وتقاليد أهل الكويت في الحج قديما أن يستأمن الحاج على أهله وماله بعض أقاربه وجيرانه حتى يرجع من الحج سالما ويودع الحاج (أمنتك الله أمانة الله وحده تحفظك وتحرسك وتروح وترجع بالسلامة وأن يتقبل الله حجكم) وهناك شخص يرافق الحملات ولكنة يجهز نفسه للعودة مسرعا قبل قدوم الحملة الى الكويت بأيام مجهدا نفسه وجمله ليزف البشرى لأهل الكويت باقتراب وصول أهاليهم من الحجيج ويطمئنهم على سلامتهم ويسمى البشير.
واوضح انه حينما يطوف البشير على البيوت يبادر الأهالي باعطائه من الثياب و(البشوت) و(الغتر) والنقود كهدية له ويقوم الكويتيون بالخروج الى خارج السور لاستقبال حجاج بيت الله الحرام وبعد عودة الحاج يقوم بعمل وليمة للأهل والجيران المقربين ويوزع الهدايا وتسمى (الصوايغ) التي تم شراؤها من مكة المكرمة والمدينة المنورة ومن اشهرها الخواتم والمسابح والسواكات وسجادة الصلاة والمصاحف والغتر والطاقية (غطاء الرأس) والنعال النجدية.
واضاف المسباح انه مع ظهور السيارات أصبحت الرحلات ميسرة وآمنة وقد وفرت الكثير من الوقت والجهد ففي بداية الأربعينيات بدأت حملات الحج تسير رحلاتها بواسطة السيارات وكانت عبارة عن سيارات نقل كبيرة كالباصات التي تعرف باسم (بوعرام) وسيارات الشحن الكبيرة (اللوري) أما أولى حملات الحج في الكويت بواسطة السيارات واشتهرت بالسمعة الحسنة وحسن المعاملة في الماضي هي حملات (الفهد) و(الهديب) و(النمش).
وبين ان من الصعاب التي كانت تواجه الحجاج في تلك الأيام نفاد المياه لذا كان يجب توفير كمية كبيرة للاستعمال خلال الطريق اضافة الى سلامة الحافلة (الباص) من اي عطل على الطريق حتى لا يتعرض الحجاج للخطر خصوصا من قبل قطاع الطرق الذين يهاجمون القوافل ويسلبونها مشيرا الى ان قافلة المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح وهو ذاهب الى الحج وكان وقتها وليا للعهد تعرضت للسلب.(النهاية)