قال عبدالملك بن حبيب الأندلسي في كتابه البداية والنهاية: بلغني أن الإمام مالك بن أنس رحمه الله، خيّر ابنته في نفسها، - قيل إن اسمها فاطمة، وعدّها القاضي عياض، من رواة الموطأ -، أن تنكح من أحبّت - مما تقدم لخطبتها - فاختارت فتى من أبناء الملوك، قد رفض الدنيا، وأخذ في الزهادة. فلما كان انتقالها إليه، اجتمع إليها أخوات ثلاث وحاضنة لها، فابتدرت الحاضنة وصيّتها فقالت: أي بنيّة، من لم يغضّ من نور نظره، ما يتبيّن له به رشده، ويعرف ما يؤذيه فيجتنبه، كان كآكل السموم وهو لا يدري، أي بنيّة، النساء بخمس خصال لا غنى لهن عن واحدة منهن، بينهنّ وبين الأزواج: المحبة بالغيب، فإن القلوب شاهدة، وحسن الطاعة فإنها تثبت المودة والاقتصاد فإنه يؤمن من الملامة ويستبقي حسن المودة، والطهارة فإنها تستهيل الهوى، والعفاف فإنه يدعو إلى الخير، فخذي حظّك من عقلك، وانتفعي بنصيحتي من نُصْحك.
ثم قالت إحدى الأخوات: يا أخيّتي إنك كنت مالكة، فصرت مملوكة، وكنت آمرة فصرت مأمورة، وكنت مختارة فصرت مختاراً عليك، وإنه لا جمال للمرأة إلا بزوجها، كما أنه لا جمال للشجرة إلا بأغصانها، فلا تُعَاصي زوجك فَتلْحيه، ولا تُسْلِسي كل السلس فَتُملّيه، وتوقي بوادر ضجره، واستبيني طرفاً من دَعْنه، ولا تجعلي هزلك في ما يغضب في جدّه، وقفي في نفسك على حدود أمره،وليكن رأس طيبك الماء، ورأس وسيلتك إليه الطاعة، ورأس آلتك العفاف، ولا تغيّريه بسببه، ولا تَمُنّي عليه بحسنه، وكوني له أمة يكن لك عبداً، ثم قالت الثانية: يا أُخيَّتي، اجعلي لزوجك رقيباً عليك من نفسك، وملكيه عنان طاعتك، وتأمّلي ما أحبّ فابتغيه، ولا تتّبعي ما يكره فاجتنَبيه، واستقبلي بصره بالطهارة، ومجانته بالعفاف، وتفويضه بالاقتصاد، وثمرة قلبه بالموّدة واعلمي أن لا عزّ للمرأة الا بزوجها، كما أنه لا عزّ للشجاع إلا بسلاحه.
ثم قالت الأخت الثالثة: يا أُخيّتي، إنك أخرجت نفسك، إلى رقّ الزوج، بعد ملك النفس، ولا حياة للمرأة إلا بزوجها، كما أنه لا حياة للسمكة إلا بالماء.
يا أُخيّتي، استصغري إحسانك لزوجك، فإنما هو منك لنفسك، وعظّمي إحسانه إليك، فإنه أرغب في الزيادة لك، وليكن استعدادك له، كأن له عليك حافظاً منه، وعاشريه بالتواضع، وتحلّي عنده بالصدق، وتزيني عنده بالطهارة، وتحصّني من رينته بالعفاف والتسليم، واجعلي قصدك فيما بين دُنُوَّكِ وبُعْدكِ.
فلما فرغن .. قالت الفتاة: قلتنّ بالنّصيحة فلاعَدِمْتُها معكنّ، ولا عدمتها من نفسي، لكن الطاعة، وبالله التوفيق ومنه المعونة
أرجوا ان يعجبكم منقولي
تحياتي للجميع