العودة   منتدى بريدة > المنتديات الأدبية > واحة الحرف

الملاحظات

واحة الحرف إبداعاتكم من نزف أقلامكم

موضوع مغلق
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 27-01-04, 08:10 pm   رقم المشاركة : 1
noor
عضو قدير





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : noor غير متواجد حالياً
صراعٌ مع المــــــوج..


من ركن قصي في القاعة.. أخذ يراقبها بطرف خفي ..
كان يعلم أنها تقترب ..وتقترب .. فأزداد تركيزه المزعوم على كتاب (الكالكس وهي مادة الرياضيات في المستوى المتقدم ) الذي يتصفحه ..
- بيردون "آبدول "..
قالتها بنبرة هادئة خافتة تستأذنه _بلكنتها المكسيكية القوية _ في الجلوس على مقعد مجاور .. وكان قد اعتاد على مناداتهم له في الولايات المتحدة بآبدول لثقل كلمة "عبد الله " على ألسنتهم ..
رفع عينيه إليها ..
- أوه ! خوليانا تفضلي .. (وخوليانا هي النطق الأسباني لـ جوليانا )
فجلست لتنهمك في حل بعض مسائل الكتاب , وبحث النتائج على آلتها الحاسبة .. وعاد عبد الله لسابق حالة وقد استحالت كلمات الكتاب إلى رموز لم يكلف نفسه بمحاولة فكها ..
كان يغرق .. أكثر فأكثر ..لكنه هذه المرة قرر أن يترك الصراع !
ثلاثة أعوام من صراع مع الغربة ليست سهلة إطلاقاً ,عندما يجرفك تيار الحياة ويسحبك يتراجع الموج إلى عمق المحيط ..عندما تفارق قدماك أرض وطنك اليابسة الثابتة الصلبة ,وتحجب عنك أشعة الشمس , فتتركك مبللاً ..رطباً.. ترتجف ..
عندما تمضي ثلاثة أعوام بفصولها الأربعة تشهد الناس السعداء بعناق سلاسل الفضة المائجة ,بينما أنت في صراع معها وحدك دون الآخرين على الخروج منها ..على صراعها للوصول إلى أرض اليابسة ..عندما تعاني ..فتمل ساقاك مواصلة الرفس , وتتمزق رئتاك من فرط الإجهاد ونقص الأكسجين , ويختنق قلبك وقد جفت شرايينه فما عادت تصله حاجته من الدماء ..عندها ..ستجد في الاستسلام للموج لذة عسلية النكهة ..سيتوق جسدك المنهك إلى الاسترخاء ..وإلى إغماض عينيه ..وستتجاهل أنك بموافقتك على عناق سلاسل الفضة الممتدة من الماء مثلهم ..إنما تعلن نهايتك ..نهايتك كإنسان ذي مبدأ, وقيمه ..
و
وتطلــــــــب الغرق !!
.....
اكتظت القاعة كعادتها بما يقارب المائة طالب وطالبة .خلاف عادته لم يشعر عبد الله في يومه هذا بتلك الرغبة الملحة في أن يلقي نظرة يتيمه تجاه الركن القصي من القاعة ,فخولينا كانت تشاركه للمرة الأولى ركنه الذي يجلس فيه !
كانا يتشابهان إلى حد مثير للانتباه .فكلاهما يعشق الأركان ويبتسم للجميع دون أن يضحك لأحد على وجه الخصوص ..كلاهما كانت تلاحقه لمزات الساخرين لاستغراقه الشديد في الدراسة وعدم مشاركته في احتفالات السكن الطلابي الصاخبة
كلاهما كانت تتناوله الألسن فتصمه بالشذوذ إذ لم يكن هو ليصادق الفتيات ,وما كانت معرفتها بالشباب تتعدى حدود الزمالة داخل القاعات ..
وكلاهما كان يحضر إلى تلك المحاضرة بالذات قبل الجميع ويدرس الآخر من على بعد !!
وظل الخاطر يلح على عبد الله .. ما الذي دفعها لترك ركنها ,واستئذانه في الجلوس وهي تعلم أن المقعد ليس لأحد !!؟
........
ضجت القاعة بالحياة بعد هدوء نسبي لملم "البروفيسور هيكس " أوراقه وخرج من القاعة يتبعه بعض الطلبة , بينما البعض الآخر يتناقش داخل القاعة حول مسائل استعصت وغمضت عليه .
وما كان بعبد الله رغبة ملحة في الاتجاه إلى غرفته _أن صح التعبير _في السكن والانضمام إلى زميله في الحجرة "جيسن" وعصبة المجانين التي تزوره هذا الوقت من كل يوم!
في الوقت نفسه لم يكن يرغب في الذهاب إلى مقهى الحي الطلابي ليزداد رثاء لحالة وهو يجلس وحيدا يرقب الطاولات وقد ضمت من الأعداد اثنين اثنين ..بينما هو في مقعده البارد يرتشف قهوته المرة بلا سكر !
انتبه من أفكاره على صوتها ..هاهو الموج يدنو..وهو يحرق علم الصراع ..ويستسلم ..
-نعم ؟! .. التفت إلى صوبها متسائلاً
-أنت عربي ..أليس كذلك ؟
- وأنت مكسيكية (قالها بلهجة من يعني :كلنا يعلم فلم تسألين )
- مسلم ؟
اكتفى بهز رأسه .. ينتظر منها الوصول إلى صلب الموضوع
-قريب من مكة ؟
-جداً !
أطرقت تفكر برهة , وتقلب في أوراقها وهي تتشاغل بترتيبها .. وسمح عبد الله لنفسه بأن بتأملها ..بتأملها بتلك النظرات التي طالما حرمها على نفسه حتى ما عاد يطيق الاحتمال !
وتلاشت خيالات عيون المها في فكرة ,وهو يطالعها .. كانت لها عينان ضيقتان حادتا الرسم .. يفيض لضيقهما الدفء بهدوء غامض ,لا يحظى به الأمن يقترب منهما ويتجاوز بنظراته أمواج رموشها السوداء وهما تنبلجان تارة عن بدر لفّة الظلام والسحاب في ليلة عاصفة , وتارة أخرى توصدان بوابتهما لتدفعانه خارجهما فيلفه البرد..
عادت للحديث وهي ترفع حقيبتها على كتفيها , وتحتضن ملفاتها استعداداً للانصراف ..
- حظا موفقا في اختبار الأسبوع القادم !
- وخرجت بخطوات رشيقة سريعة , ليس لوقع حذائها الرياضي أدنى دبيب.
- امتحان ؟؟! وأي امتحان ؟؟!
سأل نفسه قبل أن يردد ضاحكاً
- إيه أيها البدوي .. قد ولت أيام القحط , وهاأنت أمام البحر تلقى إليه بعقلك وقلبك دفعة واحده !!
...........
مرّ أسبوعان وخوليانا تكرر صنيعها , فتجلس في نفس الركن .. وتواصل الأسئلة الغريبة ذاتها عن تقاليد مجتمع عبد الله , وعدد أفراد عائلته , وطريقتهم في الحياة , ومفاهيمهم ..واحتفالاتهم .. وما إلى ذلك من أسئلة تعد بين الطلاب تعدياّ على الخصوصية الفردية ,
لكنه كان يتقبلها بصدر (لا بل بقلب ؟؟) رحب ..
كان يستمع إليها عن قرب , ويدرسها من على بعد .. لو كانت مثل غيرها من الطالبات لاختصرت على نفسها الطريق ودعته إلى كوب من القهوة , أو وجبة عشاء .. كما جرت العادة
وكما فعلت من قبلها بعض الفتيات فقابلهن بالرفض الشديد .. لكنها بترددها البادي وخجلها كانت تثير إعجابه , وتجذبه نحوها أكثر ..
فقرر أن يلقي بتحفظاته وجموده السابق إلى الجحيم , ويكون رجلا ً في مبادرته ..
لكنها سبقته , ففي نهاية محاضرة الأسبوع التالي تقدمت إليه بنظرات واثقة..
- آبدول .. هل بإمكانك أن تلاقيني في المقهى الساعة الثامنة مساء ؟
هز كتفيه موافقا .. كمن لا يجد حرجاً في الأمر .. لكن جوابه لم يشفها فكأنها استشعرت فيه بعض التردد ..
- آه هذا إذا لم يكن لديك ما يشغلك ... فعندي .. أمر احب أن أصارحك به ..
لم يستطع عبد الله حبس ابتسامة بدا أن لها جذورا عميقة متأصلة في قلبه .. صمت قليلاً وهو يتفحص قسماتها , وهي تتشاغل بالنظر إلى ملفها ..
- أنا عادة ما اذهب إلى المقهى في ذلك الوقت .. أراك هناك !
وانصرفت لتتركه يواصل الغرق .. ويتلذذ به ..
بعد مشاورات مع جيسن ضحك فيها الآخر عليه وهو يعطيه درساً مختصرا حول اتيكيت مقابلة الفتيات حتى دمعت عيناه ,قرر عبد الله أن يشتري لخوليانا باقة من الورد بما تسمح به ميزانيته . وكان في انتظارها في تمام الثامنة إلا خمس دقائق ....
وفي الثامنة وخمس دقائق أقبلت في معطف أسود طويل .. يتماشى سواده الوثير مع لون عينيها ..مد لها الورود فتقبلتها بحذر وتساؤل..ودون أن تنبس ببنت شفه ..
طلبا كوبين من القهوة, ثم عم الصمت بينهما طويلاً حتى بدأت في الحديث بهدوء وتردد
...
- آبدول .. لا ادري من أين ابدأ حديثي ..أنا في الحقيقة .. ومدت يديها أمامها على الطاولة ,
وهي تداعب خواتمها في ارتباك
- ماذا؟... قال لها بابتسامة تشجيع يستحثها على مواصلة الحديث ..
- منذ شهرين وأنا .. أفكر .. في هذا الأمر .. ولكن ..
- ولكن ... ؟
- ولكنني حتى الآن لا أجد الشجاعة الكاملة لان اتخذ قرارا..
رفع يديه إلى الطاولة بهدوء , بينما هي تركز نظراتها على طبق السكر الموضوع أمامها دون أن ترفع نظراتها إليه ولو مرة واحده ....
ببطء اقتربت يداه من يديها الناعمتين .....
- أنت لاتعرف كم احترمك .. واقدر فيك .. ذلك الاختلاف الذي ..وصمتت طويلاً..
وحين لامست يداه أناملها , انتفضت فجأة وسحبتهما , وطالعته مذعورة كمن يستيقظ لتوه من حلم جميل ..
- آبدول !!! ماذا.. ما الذي ؟؟
- خوليانا .. كم تبدين رائعة وأنت مذعورة ..!
- كيف تجرؤ ؟!!
- لم تصارعين نفسك ..أنت الأخرى ؟!! كنت مثلك ياخوليانا .. لكنني قررت بأن استسلم لذلك الموج .. أن اغرق .. أن أتلذذ بالغرق .. إن كان سببه أنت !
نهضت من كرسيها بغتة , فسقط مقعدها إلى الوراء .. تحلقت حولهما أنظار الطلبة في فضول ..
- لا اصدق يا آبدول !!!أنتم إذا .. مثلهم ..تماما مثلهم !! ماديون تافهون استغلاليون أغبياء ...
تصعدت الدماء إلى وجهه , أحس أن رأسه سينفجر.. تمنى لو أن الأرض تنشق لحظتها فتبتلعه ..
صفعة انهالت على فكرة , فبدأ يراجع حديثها كله منذ البداية ليرى انه قد فهمه .. ولكن بلغة أخرى !
- منذ رايتك في الجامعة .. وحلم تيقظ في مخيلتي .. حلم العالم المتكامل المثالي الذي لم أجده في وطني ولا هنا ! حلم عالم الشرق الشامخ الأبي .. عالم الأنفة!!
شهرين أمضيتهما ابحث في كتب ديانتكم وبلادكم .. واقرأ كل ما كتب عنكم ..
وكنت انتظر محاضره الكالكس بفارغ الصبر كي أواجهك بما استعصى علي فهمه عن ثقافتكم ومفاهيمكم ..
كل شئ في دينكم بدا جميلاً ساحراً.. يفوق الخيال .. ويسد بروعته ثغرات الأديان الأخرى ..
- خوليانا .. لحظه .. امنحيني لحظه واحده فقط ..أنا لا ...
قالها هامساً يحاول أن يهدئ من ثورة حديثها وعلو صوتها ..
لكن حديثها كان عاصفا يطير بكل شئ ..
- أشكرك على هذا التطبيق الواقعي لدينكم أمامي .. أشكرك على تنبيهك لي أن دينكم مثل بقية الأديان تماما .. كلام جميل بل غاية في الجمال .. إنما على الورق .. والورق فقط !!
- لا تحكمي على ..أنا لم يسبق و...
سحبت حقيبتها من على الطاولة .. مسحت دمعه كانت قد انسابت على وجنتها السمراء من فرط الغضب .. وقبل أن تغادر كلية طالعته وفي عينيها ألف قول وقول ....
- أشكرك على أن منعتني من خطو أغبى الخطوات في حياتي .. وحفظتني من معارضة أهلي ... إذ كنت انتوى الذهاب معك لأشهر إسلامي !!
أغلقت عينيها وطردته بعيدا ..بعيدا عن محيطها ..
وخرجت ليلفحه هواء رحيلها ..
نهض من مكانه ببطء .. قال لعامل المقهى أن يشرب قهوتهما ويسعد بمرارة طعمها .. رمى ببعض القروش في وجهه .. رفع الورود من على الطاولة .. قذفها في أقرب سلة مهملات .. سحب خطاه باتجاه سكن الطلاب .. كان الجو ممطرا عاصفا .. وكان عبد الله يختنق .. ويختنق ..
لاح له طيف أمه , وسمع توصيات أبيه .........
- أملنا فيك كبير ياعبدالله !!
شعر بأنه يتضاءل ويتضاءل ... ركل كلبا في الطريق .. ثم ما لبث أن اصطحبه إلى حجرته ...
كلاهما كان ضالاً .. لاوطن له .. كلاهما كان مبللاً .. يرتجف .. كلاهما كان يعوي .. في ظلام الليل !


كاتبة القصة لم تتجاوز الثامنة عشر عند كتابتها لهذة القصة

تحياتي للجميع
نوووور







قديم 28-01-04, 05:08 am   رقم المشاركة : 2
خزامى نجـد
عضوه قديره
 
الصورة الرمزية خزامى نجـد





معلومات إضافية
  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة : خزامى نجـد غير متواجد حالياً

بصراحة القصه رائعه جداً..
الوصف دقيق جداً ..
وفيه توضيح وتصوير لتدرج المشاعر وتأججها ..
وقدرة الكاتبه كبيره في إيضاح الفكره حيث نقرأ السطور وما بينها بكل جلاء ووضوح...

وبقي أن اشيد بهذه الكاتبه الصغيره وارى لها مستقبلاً قصصياً زاهراً
بشرط ألا تتوقف عن الكتابه والقراءة


ولك تحياتي أختى الرائعه نور
خزامــــــــــــــــــــــــى







التوقيع

[align=center]تقبلوا خالص تحياتي

خزامى[/align]

موضوع مغلق
مواقع النشر
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع
:: برعاية حياة هوست ::
sitemap
الساعة الآن 10:31 pm.


Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Alpha 1
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
موقع بريدة

المشاركات المنشورة لاتمثل رأي إدارة المنتدى ولايتحمل المنتدى أي مسؤلية حيالها

 

كلمات البحث : منتدى بريدة | بريده | بريدة | موقع بريدة