كلما نظرت إلى الحشرة الحقيرة ، وهي تمشي تحت أقدامي سحيقة ضعيفة مقابل ضخامتي وقامتي العملاقة ، أتذكر أنها لم تختار لنفسها هذا الضعف والهوان أمام من هو أعظم منها ! ما ذا لو كانت مخيّرة قبل مولدها وخلقها ؟ هل سترضى لنفسها هذا الجسد الهزيل مقابل الكائنات الأخرى ؟! هل ستختار الفيل أو وحيد القرن أم التمساح ؟! ربما ستختار الأسد أو النمر ، ولكن النمر والأسد والوحوش أجمعين ،مطاردين من الإنسان بسلاحه ؛فهو يقتلها لينتفع بجلودها وفراءها ، أو ليحبسها في محمية يفاخر فيها بني جنسه ويجعلها للفرجة ! ربما لتلك الحشرة مزايا وقدرات ، ولكنها في النهاية ليست مزايا أعظم من غيرها من المخلوقات ، فبكل تأكيد هناك من هو أعظم منها مقومات للحياة المريحة المطمئنة والغير مكلفة ! أثق أنها ستختار الإنسان فهو الذي يقدر على ما لا تقدر عليه الكائنات الأخرى مجتمعة ! فله العقل والمنطق والدنيا بما فيها مسخّرة له ليقضيها فترة الامتحان المُقدّرة ، إما أن يفوز بجنة أو بنارٍ تلتهمه أمداً أو إلى أن يرحمه الله ! لكني أنا الإنسان الذي أعتد بنفسه ، ألا يوجد من هو أفضل مني بكل شي ؟ ما ذا لو خُيّرت كتلك الحشرة هل سأختار مال قارون ؟! أو أختار السلطة والتحكم ببني جنسي ؟! ربما سأتوسل لخالقي ألا يجعلني وضيعاً بلا دين ولا دنيا ! وربما سأتضرع لإلهي أن يحميني من نفسي والشياطين وأكون خاضعاً للخوف حتى قبل مولدي !! لا ربما سأختار الشجاعة والقدرة على السيطرة على كل شي ، أو أن أكون استثنائي كالأنبياء ! بقدرات ومعجزات لا يملكها غيري ! وأكون مسئولاً عن رسالة أخاف عليها وأحزن إن لم يصدقها أحد! قد أحتاج إلى راحة أرتاح فيها من كل شيء وأطلب من ربي ألا يخلقني إلا مَلَكاً يؤمن بخالقة الذي يعلم مكانه ويراه ! فكرت بهذا وأنا أشك بأني لو كنت مخيّر لن أكون شهواني وجامح لملذات أتفنن بطلبها ورغبتها ! وسأختار أن أكون ترابا ..
اللهم إني أسالك الرحمة فلا شيء عندي أعلمه أعظم من رحمتك وغفرانك ، أنا الإنسان المتألم الباكي الطامح الطماع المغرور ، أنا الكائن الضعيف الممتحن المبتلا بآلام لا يملك القدرة على طردها من جسده أو النفور منها إلا بقدرتك ورحمتك يارب ..