[align=center]
قد يختلف اثنان حول حب مدينة وقد يتفقان , وتلك اختلاف في وجهات النظر , فهي ظاهرة صحية لا تفتر عن الحركة الدائبة في المكروهات والمحبوبات من الأشياء .
هذه المدينة لم ترق لي , ولم أحبها في يوم من الأيام , وإنما كنت حيالها كمن نشأ على الإسلام لأبوين مسلمين فأصبح مسلمًا بالوراثة الاجتماعية , وللفقهاء قول حول المسلم المرتد الذي نشأ على الإسلام فلما كبر بدّل دينه , فلا يشمله حديث " من بدّل دينه فاقتلوه " !
عيب هذه المدينة أنها مقدّسة عند أهلها بشكل مريع , فلا يتيحون المجال لمن أبدى وجهة نظره فيها وراح ينتقدها بنقد هادف أو هكذا توقع , فترى ألسن أهليها تعلو في وجهه وتصرخ , لا لشيء إلا أنه مس قداسة هذه المدينة المقدّسة بلا قداسة تُذكر فيها !
هذه المدينة تمتاز بميزة سيئة للغاية , حيث اشتملت على أناس أشبه بالعفاريت من حيث التعامل , ومن حيث سوء الطوية , فلا يكاد يبتهج مالك الفرصة فيها حتى يجد من ينافسه وينازعه فرصته التي وهبه الله إياها , فعلى سبيل التجارة مثلاً نجد محل تموينات قد نجح وكثر ذبائنه , فلا نلبث حتى يكاد يمتلئ ذلك الشارع بمحال للتموينات , فكأن الحسد مطية وخلقًا متبعًا في هذه المدينة .
على أنني أعجب من أن الله قد علم سوء طوية كثير من أهلها , فلم يكن لهم المناصب الثقيلة حين كانت مدينتهم هي العاصمة , فنجد مثلاً مدير المستشفى التخصصي من عنيزة , ونجد مدير الجامعة من الرياض , ونجد كثيرًا من مديري المصارف من خارج هذه المدينة !
إن أولئك العفاريت لم يكن حظهم موفقًا في مدينتهم , فأصبحوا لا يجيدون إلا فعل العفرتة والضرب من تحت الحزام بخلسة وخفية , فعرف عنهم الناس من خارج بريدة من أنهم يبشّون في وجه ملاقيهم , بينما يكيدون له من حيث لا يدري , فمن تتبع أخلاق كثير من أهل هذه المدينة وجدهم على هذه الوتيرة أو أشد !
مصيبة أولئك العفاريت أنهم لا يؤمنون بمبدأ حب لأخيك ما تحب لنفسك , وإنما يسعون وراء مصالحهم بالطرق الملتوية , فلا ضير ولا بأس عند أحدهم من أن يضر غيره على حساب مصلحته , فتراه يضرب ضربته ثم يهرب , فيكون كمن يقول : " كُل فطير وطير " !
إنني لا أغلو إذا قلت من أنهم يسيئون إلى مدينتهم بهذه العفرتة , ويشغلون أنفسهم بالكيد لفلان وعلاّن , بينما ينسون التنافس الشريف , فيفوز باللذات رجال من خارج مدينتهم , وإن تعجب فاعجب من أنهم لا يبدون أسفًا حين يقودهم الغرباء عن مدينتهم , فتراهم يقولون ببلاهة : كلنا وطن واحد ![/align]