لقد ذكرت الفراق فأشلعت نيران فؤادي الخامدة , لقد عادت للتوقد من جديد , وكنت أحسب أني خلي من الهم لما حل بتلك السنين .
أصحاب طوتهم يد الردى , فتفرقوا أيدي سبأ , وراحوا يبارزونني الصد والهجران , فبقيت بعدهم كسير الفؤاد محطم القلب بلا أنيس يؤنسني , وبلا معين يعينني , وبلا سلوى أتسلى بها عنهم , فإذا بالعيون تجود بالدموع بلا انقطاع .
كنت مثلك أحسب أن الفراق عصي على المحبين , لكنني أجده في الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات , وأجده في الزوجة حين الطلاق , وأجده في غياب الحبيب عن حبيبة لأوهن الأسباب .
لقد تقرحت العيون من ظلمهم لي , وانطوت الكبد حزنًا وكمدًا عليهم , فتلك دموع سخينة متناثرة على الخدين بلا توقف , وتلك زفرات وآهات تجعلني أهيم على قدمي بلا طريق أنوي سلوكه .
قلبي اليوم معذب بتلك العذابات الجسام , فكأن الحشا يتقطع أوصالاً , وكأن القلب ماضٍ إلى انفطار موشك , فلا تذكرني , فقلبي مكلوم وفي العذاب منغمس منذ ذلك البعد .
عذابي من حبيب قد جار ولم ينصف , وعذابي من صديق رحل قبل أن يودع , فإذا أنا أسأل ما بال فراقهم ؟ وما بال تخليهم عني ؟ فلم أحر جوابًا حتى اليوم , فدعني فإني معذب ما بقيت , وحزين ما صحوت , ومفجوع ما حييت .
ندمي على ندم الحبيب المفارق , وندمي على تلك الأحاديث والوعود التي قطعها على نفسه معي , فبت أروح وأغدو بنشوة الوصال الدائم , لكنني لم ألبث كثيرًا حتى رجعت إلى مكاني وحيدًا كما كنت أول مرة .
ويل لقلبي إن لم يعاود الأحباب زيارتهم , فإني هالك لا محالة , وإني لفي عِداد الأموات عما قريب , فقرِّب لي الأكفان , واحفر القبر قبل نعي الناعي , فرحيلي موشك غير بعيد .
احفظ عني الدموع , واسكبها في ردهات حياة العاشقين , وسطرها في دواوين الشعراء الواجدين على محبيهم , فلا تبخل عليَّ بما أوصيتك به , فلا أقل من وصية تنفذ , وعمل يبقى كما دموع المحبين .
كلمتك شجن أضناني , وأذهب أريج الزهر من بوحي , فلله تلك الأيام كيف تقسوا ؟