الأمثال و الحكم ( العامية ) تحمل الكثير من الخبرات و التجارب ، وتختصر مسافات من الزمن ، و تحمل بين طياتها دروسا رائعة ، و قد جعل الآباء و الأجداد من تلك الأمثال و الحكم سبيلا فريدا للتعبير عن مطالبهم و احتياجاتهم ، ولذلك لا تستغرب أن تجد طفلا في التاسعة من عمره يردد في معرض حديثه مجموعة منها ، فهي تختصر له الكثير من الشرح ..
من هذه الأمثال التي ترددت على ألسنتهم مثلين ( خلك مع الرجال لو حلقوا لحاهم ) و الآخر ( خلك راس لو بقامعه ) ، ويضرب المثل الأول ( خلك مع الرجال لو حلقوا لحاهم ) لضرورة لزوم أهل العقل و المشورة و الجماعة حتى و إن كان ظاهر قرارهم خاطئا ، وقصة هذا المثل أن رجلا بسيطا ، ضعيف الحال ، قليل الحيلة ، سطحي التفكير ، لا يملك قرارا لنفسه ولا لغيره ، وكان محتقرا لدى أهل القرية ، تزوج هذا الرجل ثم رزق بفتاة اعتبرت من أذكى و أحنك النساء في القرية ، كانت تتابع وضع أبيها منذ الصغر ، وذات يوم حدثت نازلة في القرية فأرادوا أن يجتمعوا لاتخاذ قرار حولها ، فأوصت الفتاة أباها بهذا المثل ( يبه لا أوصيك : خلك مع الرجال لو حلقوا لحاهم ) فذهب مثلا . وكانوا يذكرون القصة كلما ذكروا العاقلات من النساء ..
أما المثل الثاني ( خلك راس ولو بقامعه ) فقصته أن فتاة تزوجت برجل بسيط ، وكانت طموحة ، و تحب الرجل الذي له قيمة وسمعة بين الناس ، فكانت تطالبه بأن يكون له شأن ، في يوم من الأيام وبعد أن ألحت عليه إلحاحا شديدا قال لها : ( عطين شور أسويه و اصير على ما تبين ) فردت عليه : ( خلك راس لو بقامعه ) .. ( و القامعه .. هي الفعل السيء جدا ) .. و يضرب هذا المثل لمن يحاول الظهور و الشهرة بأي طريقة و ثمن ..
الانفتاح الإعلامي الكبير الذي تشهده المملكة أفرز لنا صورا كثيرة ومتعددة من الساعين خلف الشهرة ، كلها من باب ( خلك راس لو بقامعه ) ، فلإنهم يعلمون أنهم لا يستطيعون الوصول للقمة بأدواتهم ، فقد اختاروا ( القامعه ) لتكون الطريق الأسرع للشهرة ، حتى إن أحدهم قال : ( صر راس وبعدين عدل أمورك .. !! )
و من هذه الصور التي عمت وطمت :
أشخاص .. جعلوا من معارضة السياسة العامة للدولة سبيلا لشهرتهم و الوصول لمبتغاهم ، من خلال جلوسهم على منصاتهم الخاصة و نقدهم لكل ما هو موجود في الأنظمة ، بل تعدى ذلك إلى شخوص الأسرة نفسها .. !!
و أشخاص .. جعلوا من معارضة الدين طريقا رحبا للوصول للشهرة ، فهم يستخفون بالعلماء و طلبة العلم ، و ينتقدون فتاويهم بل و شخوصهم كما علق أحدهم كثيرا على ( شماغ ) أحد أعضاء هيئة كبار العلماء .. !!
و آخرون .. جعلوا من وصف العمليات الجنسية في مخرجاتهم سلما للبروز و الظهور ، فقد كتبوا روايات ٍ لا تصل إلى ذائقة المتلقي العادي فضلا عن المثقف ، فلم يجدوا غير الوصف الحسي للعملية الجنسية بكل تفاصيلها لتكون مسوقا لهم و لمخرجاتهم .. !!
و آخرون .. جعلوا من اهتمامهم بالمرأة نافذة إلى الشهرة من خلال تبسطهم في الحديث عنها و الوقوف معها ضد الرجل .. بل و إغراق الرجال بأنهم أساس المشاكل الأسرية لأنهم لم يحضروا وردة حمراء ذات مساء .. !! أو من خلال مطالبة مجموعة أخرى بتحرر المرأة و أنها مضطهدة .. !!
وآخرون .. جعلوا من نقد المرأة و التسلط عليها و محاولة استفزازها طريقا لوصولهم لمبتغاهم وإن كان محدودا ( بالمقارنة بسابقيهم ) .. فهؤلاء طموحهم لا يتجاوز محط أقدامهم .. فهم يستخدمون ( خلك راس لو بقامعه ) لكي يصلوا إلى أذهان المتلقيات لا أكثر ..
هذه الصور .. وغيرها ..
صور لا تتجاوز كونها إفرازات ٍ للانفتاح الكبير الذي تشهده المملكة خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة ، و انعكاسا للهشاشة الثقافية في التكوين العقلي للفرد السعودي ، و نتيجة لعدم استيعاب العامة من الناس بين التطوير والتقليد ..
تحياتي للجميع ..
العرض العادي
