ب- المذهب المختار:
والذي نختاره هو مذهب الجمهور القائل بحرمة نكاح المتعة.
قال جمهور الفقهاء صح التحريم المؤبد للمتعة عن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم-، بحديث سبرة الجهني "أنه غزا مع رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-فتح مكة قال: فأقمنا بها خمس عشر، فأذن لنا رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- في متعة النساء". وذكر الحديث إلى أن قال:"فلم أخرج حتى حرمها رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-".
ومخالفة بعض من الصحابة غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به، والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به حتى قال عمر –رضي الله عنه-:" إن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة".
روي عن أبي هريرة مرفوعاً:" حرم أو –هدم- المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث".
وورد عن جابر بن عبد الله قال:" خرجنا ومعنا النساء اللاتي استمتعنا بهن...فقال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-: هن حرام إلى يوم القيامة".
وأما ما ورد عن ابن مسعود "كنا نغزو مع رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ليس لنا نساء. فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، بأن مؤدي هذا الحديث هو إباحة المتعة التي حرمها رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- في سائر الأخبار، ومن المعروف أن المتعة قد أبيحت في وقت ثم حرمت وليس في حديث ابن مسعود ذكر التاريخ فأخبار الحظر قاضية عليها لأن فيها ذكر الحظر من الإباحة وأيضاً لو تساوياً لكان الحظر أولى.
وقد روي عن عبد الله ابن مسعود أن المتعة منسوخة بالطلاق والعدة والميراث.
وقال الجصاص –رحمه الله-: قد علم أن المتعة قد كانت مباحة في وقت فلو كانت الإباحة باقية لورد النقل بها مستفيضاً متواتراً لعموم الحاجة إليه ولعرفتها الكافة ولما اجتمعت الصحابة على تحريمها لو كانت الإباحة باقية، فلما وجدنا الصحابة منكرين لإباحتها موجبين لحظرها مع علمهم بدياً بإباحتها دل ذلك على حظرها بعد الإباحة ولا نعلم أحداً من الصحابة روي عنه تجريد القول في إباحة المتعة غير ابن عباس وقد رجع عنه حين استقر عنده تحريمها بتواتر الأخبار من جهة الصحابة وهذا كقوله في الصرف وإباحته الدرهم بالدرهمين يداً بيد فلما استقر عنده تحريم النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- إياه وتواترت عنده الأخبار فيه من كل ناحية رجع عن قوله وصار إلى قول الجماعة فكذلك كان سبيله في المتعة.
ويدل على أن الصحابة قد عرفت نسخ إباحة المتعة ما روي عن عمر أنه قال في خطبته:"متعتان كانتا على عهد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما" وقال في خبر آخر:"لو تقدمت فيها لرجمت" فلم ينكر هذا القول عليه منكر لا سيما في شيء قد علموا إباحته وإخباره بأنهما كانتا على عهد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-، فلا يخلو ذلك من أحد وجهين إما أن يكونوا قد علموا بقاء إباحته فاتفقوا معه على حظرها وحاشاهم من ذلك، لأن ذلك يوجب أن يكونوا مخالفين لأمر النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- عياناً وقد وصفهم الله تعالى بأنهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فغير جائز منهم التواطؤ على مخالفة أمر النبي –صلى الله عليه وآله وسلم-، ولأن ذلك يؤدي إلى الكفر وإلى الانسلاخ من الإسلام، لأن من علم إباحة النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- للمتعة ثم قال هي محظورة من غير نسخ لها فهو خارج من الملة، فإذا لم يجز ذلك علمنا أنهم قد علموا حظرها بعد الإباحة ولذلك لم ينكروه، ولو كان ما قال عمر منكراً ولم يكن النسخ عندهم ثابتاً لما جاز أن يقاروه على ترك النكير عليه، وفي ذلك دليل على إجماعهم على نسخ المتعة، إذ غير جائز حظر ما أباحه النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- إلا من طريق النسخ.
ج- نكاح المتعة عند الشيعة الجعفرية قال الإمام الخميني- رحمه الله-:
القول في النكاح المنقطع:
ويقال له: المتعة والنكاح المؤجل.
مسألة 1- النكاح المنقطع كالدائم في أنه يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين وأنه لا يكفي فيه مجرد الرضا القلبي من الطرفين ولا المعاطاة ولا الكتابة ولا الإشارة, وفي غير ذلك كما فصل ذلك كله.
مسألة2- ألفاظ الإيجاب في هذا العقد "متعت" و"زوجت" و"انكحت" أيها حصلت وقع الإيجاب به, ولا ينعقد بمثل التمليك والهبة والاجارة, والقبول كل لفظ دال على إنشاء الرضا بذلك كقوله: "قبلت المتعة" أو "....التزويج" وكفى "قبلت" و"رضيت" ولو بدأ بالقبول فقال : "تزوجتك" فقالت: "زوجتك نفسي" صح.
مسألة 3- لا يجوز تمتع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه, وكذا لا يجوز تمتع المسلم بغير الكتابية من أصناف الكفار ولا بالمرتدة ولا بالناصبة المعلنة بالعداوة كالخارجية.
مسألة4- لا يتمتع على العمة ببنت أخيها, ولا على الخالة ببنت أختها إلا باذنها أو إجازتهما, وكذا لا يجمع بين الأختين.
مسألة5- يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر, فلو أخل به بطل, ويعتبر فيه أن يكون مما يتمول, سواء كان عيناً خارجياً أو كلياً في الذمة أو منفعة أو عملاً صالحاً للعوضية أو حقاً من الحقوق المالية كحق التحجير ونحوه, وأن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن في المكيل والموزون والعد في المعدود أو المشاهدة أو الوصف الرافعين للجهالة, ويتقدر بالمراضاة قلّ
أو كثر.
مسألة6- تملك المتمتعة المهر بالعقد, فيلزم على الزوج دفعه إليها بعده لو طالبته وأن كان استقراره بالتمام مراعى بالدخول و وفائها بالتمكين في تمام المدة, فلو وهبها المدة فان كان قبل الدخول لزمه نصف المهر, وإن كان بعده لزمه الجميع, وإن مضت من المدة ساعة وبقيت منها شهور أو أعوام فلا يسقط المهر على ما مضى منها وما بقي, نعم لو لم يهب المدة ولكنها لم تف بها ولم تمكنه من نفسها في تمامها كان له أن يضع من المهر بنسبتها, أن نصفا فنصف, وإن ثلثا فثلث, وهكذا ما عدا أيام حيضها, فلا ينقص لها شيء من المهر, وفي إلحاق سائر الأعذار كالمرض المدنف ونحوه بها أو عدمه وجهان بل قولان, ولا يترك الاحتياط بالتصالح.
مسألة7- لو وقع العقد ولم يدخل بها مع تمكينها حتى انقضت المدة استقر عليه تمام المهر.
مسألة8- لو تبين فساد العقد بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت زوجته أو أمها مثلا ولم يدخل بها فلا مهر لها, ولو قبضته كان له استعادته, بل لو تلف كان عليها بدله, وكذا إن دخل بها وكانت عالمة بالفساد, وأما إن كانت جاهلة فلها مهر المثل, فان كان ما أخذت أزيد منه استعاد الزائد, وإن كان أقل أكمله.
مسألة9- يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل, فلو لم يذكره متعمدا أو نسيانا بطل متعة وانعقد دائما, وتقدير الأجل إليهما طال أو قصر, ولا بد أن يكون معينا بالزمان محروسا من الزيادة و النقصان,ولو قدره بالمرة أو المرتين من دون أن يقدره بزمان بطل متعة وانعقد دائما على إشكال و الأحوط فيه إجراء الطلاق وتجديد النكاح لو أراد, وأحوط منه مع ذلك الصبر إلى انقضاء المدة المقدرة بالمرة أو المرتين أو هبتها.
مسألة10- لو قالت زوجتك نفسي إلى شهر أو شهرا مثلا وأطلقت اقتضى الاتصال بالعقد, وهل يجوز أن تجعل المدة منفصلة عنه بأن يعين المدة شهرا مثلا ويجعل مبدؤه بعد شهر من حين العقد أم لا؟ قولان أحوطهما الثاني.
مسألة11- لا يصح تجديد العقد عليها دائما أو منقطعا قبل انقضاء الأجل أو بذل المدة, فلو كانت المدة شهرا وأراد الازدياد لابد أن يهبها ثم يعقد عليها.
مسألة12- يجوز أن يشترط عليها أو عليه الاتيان ليلا أو نهارا, وأن يشترط المرة أو المرات مع تعيين الندة بالزمان.
مسألة13- يجوز العزل من دون إذنها في المنقطع وإن قلنا بعدم جوازه في الدائم, ولكن يلحق به الولد لو حملت وإن عزل, لاحتمال سبق المني من غير تنبه منه, ولو نفاه عن نفسه انتفى ظاهرا ولم يفتقر إلى اللعان إن لم يعلم أن نفيه كان عن إثم مع احتمال كون الولد منه, وعلى أي حال لا يجوز له النفي بينه وبين الله إلا مع العلم بالانتفاء.
مسألة14- لا يقع عليها الطلاق, وانما تبين بالنقضاء المدة أو هبتها, ولا رجوع له بعد ذلك.
مسألة15- لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين, فلو شرطا التوارث أو التوريث أحدهما ففي الوريث إشكال, فلا يترك الاحتياط بترك هذا الشرط, ومعه لا يترك بالتصالح.
مسألة16- لو انقضى أجلها أو وهب مدتها قبل الدخول فلا عدة عليها, وإن كان بعده ولم تكن غير بالغة ولا يائسه فعليها العدة, وهي على الأشهر الأظهر حيضتان, وإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما, والظاهر اعتبار حيضتين تامتين, فلو انقضى الأجل أو وهب المدة في أثناء الحيض لم يحسب تلك الحيضة منها, بل لابد من حيضتين تامتين بعد ذلك.هذا فيما اذا كانت حائلا, ولو كانت حاملا فعدتها إلى أن تضع حملها كالمطلقة على إشكال, فالأحوط مراعاة أبعد الأجلين من وضع الحمل ومع انقضاء خمسة وأربعين يوما أو حيضتين وأما عدتها من الوفاة فأربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلا وأبعد الأجلين منها ومن وضع حملها إن كانت حاملا كالدائمة.
كسألة17- يستحب أن تكون المتمتع بها مؤمنة عفيفة, والسؤال عن حالها قبل التزويج وأنها ذات بعل أو ذات عدة أم لا, وأما بعده فمكروه, وليس السؤال والفحص عن حالها شرطا في الصحة.
مسألة18- يجوز التمتع بالزانية على كراهية خصوصا لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنا, وإن فعل فليمنعها من الفجور.